لو شاهدنا قصة حياة أوبرا وينفري في فيلم سينمائي لسخرنا وقلنا ما هذه المبالغة؛ وعند التأمل في "تفاصيل" حياتها؛ نكتشف السر وراء نجاحها المبهر؛ فقد "رفضت" الانهيار وتشبثت بالنجاة وصنعت "أطواقًا" لتنقذ نفسها..
لم تكن مرفهة ليكفيها طوق واحد لتنجو؛ فتنوعت الظروف التي رشحتها "للغرق" في الحياة؛ ولدت في 29 يناير 1954، عاشت الفقر المدقع وإهمال الأم وتخليها عنها لجدتها القاسية، وبعد موتها عادت "مضطرة" لأمها التي واصلت إيذاءها بالإهمال وتعرضت للتنمر والمضايقات المؤلمة منذ صغرها لفقرها وبؤسها واضطرارها للذهاب للمدرسة وهي ترتدي ثوبًا من "شوال البطاطس" فضلا من السخرية المريرة منها بسبب لون بشرتها..
وتعرضت وهي بالتاسعة للتحرش ثم للاغتصاب من أقاربها وأدمنت المخدرات..
وفي لحظة "مصيرية" رفضت العيش في الهاوية وقررت "انتزاع" نفسها وهربت من أمها وذهبت لأبيها الذي عاملها بشدة، وأكملت تعليمها بتفوق وتجاهلت سخافات "وبذاءات" العنصرية وتعاملت مع الجميع بلطف وبود واكتسبت شعبية كبيرة..
فعلت ذلك "لقناعتها" بقولها: أنت مسئول عن حياتك فإذا جلست وانتظرت من ينقذك أو يصلح حالك أو مساعدتك فستضيع وقتك؛ فوحدك تستطيع تحمل مسئولية نفسك ولتمضي قدمًا في حياتك..
لم تختر أوبرا احتكار الرثاء للنفس ولا التباكي على سوء حظها؛ ولم تزرع في نفسها العجز وقلة الحيلة، ولم تقل: لا فائدة من محاولات النهوض بحياتي؛ فسأفشل ويتضاعف وجعي وأصنع أحزانًا جديدة لنفسي؛ وقالت: حول جروحك إلى حكم.
ولم تقل لا مكان في الحياة لمثلي؛ لقد انتهى أمري كما يفعل الكثيرون بكل أنحاء العالم؛ فيكسرون أحلامهم ويضيعون فرصهم في النجاة وفي صنع حياة تليق بهم ويستحقونها؛ ولا توجد حياة في الكون بلا منغصات والنجاح لا يرخص نفسه ليحصل عليه من يستحقونه ومن لا يستحقونه..
لم تضيع عمرها في التساؤل العقيم لماذا حدث كل ذلك لي وقالت: لكل شيء حكمة آمن بذلك حتى لو لم تكن حكيمًا بما يكفي لتراه؛ وكان ذلك "صمام" الأمان الذي حماها من الاستسلام للمرارة وللتحسر على النفس؛ وهما أخبث وأشرس أعداء الصحة النفسية والجسدية وأسوأ سارقي العمر..
لم تكتف أوبرا بنجاتها وأخذت بأيدي الكثيرين لتساعدهم على حياة أفضل؛ فتبرعت بالكثير وحصلت في أحد الأعوام على لقب أكبر فاعل خير في التاريخ وأنشأت مدرسة للبنات بأفريقيا ونفذت قولها: استخدم حياتك لخدمة العالم وستخدمك أنت أيضًا؛ وهذا صحيح، فاللهاث حول النفس ورغباتها ينهك صاحبها، والخروج منها لمساعدة الآخرين يمنح صاحبها براحًا جميلًا ورضى عن النفس..
من أهم أسباب نجاح أوبرا في مغادرة مستنقعات الفشل والإدمان وهاوية العجز؛ أنها لم تضيع عمرها في التساؤل لماذا يوجد في الحياة أوغاد؛ بالاستغلال الجنسي أو بالعنصرية "وركزت" كيف تحقق التميز "وتفرض" نفسها في عالم يعترف فقط بالناجحين؛ يشفق أحيانًا على الضعفاء، ولكنه يعاملهم كالمتسولين؛ يعطيهم الفتات أحيانًا؛ وحتمًا يحرمهم الاحترام والمكانة.
قالت أوبرا: تعلمت أن أفضل رادع للعنصرية والتحيز الجنسي هو التفوق، وأن أصبح أفضل منهم أخلاقيًا ومهنيًا وعلى أساس ذلك أدير وأخطط لحياتي..
بعد نجاحها "صدمت" بنشر قريب لها قصة حياتها!!
لم تكتف أوبرا بالحلم لتكون أفضل وسعت لامتلاك أدواتها بمهارة وتميز وفتشت عن الفرص وكيف لا تفعل وهي القائلة: الحظ هو التقاء التحضير مع الفرصة، وأعظم اكتشاف هو أن الإنسان يستطيع تغيير مستقبله بتغيير بعض مواقفه..
ولم تمنع نفسها فقط من التحسر على ما حدث لها؛ بل "استمتعت" وقالت: كن شاكرًا على ما تمتلك من النعم؛ فستزداد مع الوقت؛ وإذا ركزت على ما لا تملكه؛ فلن تحصل أبدًا على ما يكفيك..
وأجادت رؤية دورها في صنع حياتها - وهو أهم مفاتيح النجاح - ولم تلق - كالكثيرين - مسئولية أوجاعها على الآخرين فقالت: لا أرى نفسي فتاة فقيرة صعدت للشهرة، وعرفت منذ طفولتي أنني مسئولة عن نفسي؛ لذا علي أن أنجح؛ وهو ما نسميه "إرادة النجاح".
وفهمت الحكمة من الحياة؛ فقالت: السبب الوحيد لوجودك في الأرض أن تعرف شغفك وتجده، وكلما ذكرت ماذا تريد وبماذا تؤمن فأنت أول من يسمع ذلك؛ فهذه رسالة إليك وإلى الآخرين حول ما يمكنك تحقيقه؛ لا تضع سقفًا لنفسك..
ولم تضع سقفًا لنفسها؛ ومرت أوبرا في حياتها المهنية بكثير من المحطات؛ فعملت مذيعة بالراديو، ثم بمحطة تليفزيونية وفصلوها؛ لأنها كانت تقرأ الأخبار بتعاطف؛ واستفادت من تعاطفها الإنساني الواضح وقدمت برنامجها الشهير لسنوات طوال، وانتزعت مكانة لم تصلها امرأة من قبل، وكانت أول سيدة سوداء تمتلك المليارات، وشاركت بأفلام سينمائية مميزة واستحقت لقب إمبراطورة الشاشة وأسست شبكتها التليفزيونية.
وجسدت القول الرائع: إذا لم تنحن لن يستطيع أحد امتطاء ظهرك؛ فلم تنحن لظروفها البالغة القسوة ورفضت الغرق فيها؛ وقالت: لا يمكننا أن نصبح ما نريد إذا بقينا كما نحن، وكأي غريق يبحث عن النجاة ويسعى بقوة فسيفرح بها وينجو ويحكي تجربته ليساع من "يحترمون" أعمارهم ويثقون أن الحياة ستنتهي في لحظة ولن يستعيدونها ليعيشوا ناجحين، ووحدهم "يصارعون" للنجاة ويحتفلون بفوزهم ويغزلون من معاناتهم أطواق نجاة للآخرين؛ متى رغبوا في ذلك بقوة..