أدركت بحكم كثرة مشكلات القضايا الأسرية وانتقاص حقوق المرأة والطفل أن ممارسة القهر يسلكها الأقوياء والضحايا أيضا فأغلبنا أسرى عاداتنا وتقاليدنا حتى لو تألمنا منها وجارت على حقوقنا، ونصر على الممارسة حتى وإن خالفت شريعتنا السماوية فدائما نبحث عن رداء ديني يغلفها ليعطيها الشرعية، فالعقل هو المحرك وليس العاطفة التي تميل إلى الرحمة والشفقة.
قضية منع ختان الإناث من ضمن هذه القضايا المجتمعية التي بدأت مصر تحاربها منذ القرن الماضى، ففي عام 1904 نشر أول مقال يرفض ختان الإناث ويفنِّد عدم استناده إلى أي أساس ديني، وتوالت بعدها المقالات والمبادرات المحلية والدولية سنوات، وكان صدى كل منها يمتد فترة ما بين صعود وهبوط حسب أولويات الدولة وقوة المؤمنين بالقضية وضرورة مواجهتها لمناهضتها.
لست هنا فى موضع لسرد تفنيدات قانونية أو شرعية لمنع ختان الإناث والتأكيد على أن دول الخليج لا تختِّن بناتها والرسول الكريم لم يختِّن بناته وأنها عادة وصلت مصر خلال البعثات التجارية مع أفريقيا ورسوم قدماء المصريين تشرح القضية.
فكلها فتاوى وأسانيد مثبتة وموثقة فى أماكنها الرسمية من دار الإفتاء والكنيسة ووزارة الصحة والسكان ومبادرات المجالس المتخصصة وجمعيات المجتمع المدني غير مواد قانون العقوبات.
الجهد الأكبر اليوم لا بد أن يركز على رفع وعى المجتمع وخصوصا النساء فهن رافعات راية الخاسر ولا يزلن يسلمن الراية إلى الابنة والحفيدة فى سلسلة من الفوز بلقب المقهورة..
فالمرأة فى مثل هذه القضايا هي العدو الأول لنفسها ولبنات جنسها والرجل عادة لا يتدخل فى هذه الأمور، فمن بيانات خط نجدة الطفل 16000 بخصوص قضية ختان الإناث نجد أن 45% من البلاغات تأتي من الرجال للاستفسار وإعطائهم المعلومات الكافية عنها.
"الضرورة الطبية" تلك العبارة الآثمة التي أوردتها وزارة الصحة المصرية وحظرت بها ختان الإناث في مرسوم صدر سنة 1997 وأقره مجلس الدولة استنادًا إلى بنود قانون العقوبات التي تحظر أي مساس بجسد الإنسان إلا للضرورة الطبية وبها أفلت كثير من الأطباء وطاقم التمريض من عقوبة إجراء الجريمة وأصبحت لسنوات ثغرة؛ مما أدى إلى تزايد إجراء عملية الختان على يد الأطباء والتمريض حتى أصبح 80% من مرتكبي هذه الجريمة من الأطباء وطاقم التمريض، وأسهمت هذه العبارة فى قتل وكسر نفس واختطاف سعادة كثير من البنات وفرحتهن وثقتهن فى جنسهن ولا أنسى عبارة التضليل التي يحفظونها للبنات وذكرتها لي فتاة كانت تبلغ من العمر اثنتي عشرة سنة "لازم اعمل الختان حتى لا أكبر ويكون لي عضو مثل الرجل".
دائمًا كانت الأصوات تطالب بتشديد العقوبة لمواجهة جريمة ختان البنات ومر ذلك بعدة مراحل أبرزها عام 2016 عندما تم تشديد العقوبة ورفع هذه الجريمة من جنحة إلى جناية وخصوصًا أنه فى عام حكم الإخوان المتأسلمين الأسود تراجعت كثيرًا معدلات خفض إجراء هذه الجريمة، وقاموا بمساعدة السلفيين وجابوا المحافظات لإجراء هذه الجريمة بالمجان فى القرى والنجوع تحت الزعم الديني والأخلاقي، ولنا أن نعرف مثلا أن محافظة الأقصر 97% من نسائها مختتنات ووصل بالإرهابيين الأمر أنهم قدموا طلبا فى مجلس النواب وقتها بتعديل بنود القانون لإجازة إجراء ختان البنات.
وبعدها فى عام 2019 أنشئت اللجنة الوطنية لمناهضة الختان بالتنسيق بين المجلس القومي للمرأة والقومي للطفولة والأمومة مع عدة جهات، وكان من أبرز مطالبها إجراء تعديل تشريعي يحذف عبارة للضرورة الطبية، ويجرم الأطباء صراحة، وهذا ما حدث بالفعل الأسبوع الماضي؛ حيث يعد انتصارًا لكرامة المرأة المصرية موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، وفى انتظار إقراره من مجلس النواب؛ حيث إن عقوبة السجن المشدد في انتظار من أجرى الختان طبيبًا أو مُزاولا لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المُشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 15 سنة، ولا تزيد على 20 سنة.
وعزله من وظيفته الأميرية، مدة لا تزيد على 5 سنوات وحرمانه من ممارسة المهنة لمدة مماثلة، وغلق المنشأة الخاصة التي أُجرى فيها الختان.
التعديل شمل أيضًا ما بدأت سطوري به وهو ردع الأهل؛ حيث نص مشروع التعديل على أن يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه.
يتبقى لنا ضرورة توافر القبول والقناعة عند أولياء الأمور، وتلك جهود مأمولة من اللجنة الوطنية لمناهضة ختان الإناث ووسائل الإعلام والجمعيات الأهلية لحماية مجتمعنا من ختان عقول الأهل بالأفكار المغلوطة والاستمرار فى إهدار كرامة الفتيات.
[email protected]