طوى التاريخ صفحة جديدة، مضيئة، في فصل مصر، يوم السبت الماضي، الثالث والعشرين من يناير، من عام 2021، تابعت يومها، على مدي خمس ساعات متواصلة، الرئيس السيسي وهو يفتتح عددا من المشروعات القومية العملاقة، منها تطوير 1500 قرية في مصر، كمرحلة أولى من المبادرة الرئاسية حياة كريمة، وتابعت افتتاحات مشروعات إنتاج الرخام والجرانيت،فتذكرت واحدة من زياراتي للصين، وإقامتي في أحد أكبر فنادق العاصمة بكين، والاستقبال الحافل من مدير الفندق، عندما عرف أننا مصريون، إذ اصطحبنا للوحة عملاقة من الرخام في بهو الفندق، مدون عليها إنتاج محاجر سيناء في مصر، إلا أنني حزنت لما علمت أن تشطيبها تم في الصين، لأننا ننتج أجود أنواع الرخام في العالم، ونصدره في صورة بلوكات، لعدم قدرتنا على تشطيبه.. أما اليوم فسنصدر أجود أنواع الرخام المصري، في العالم، كامل التشطيب.
أما درة تاج هذا اليوم، فكان افتتاح السيد الرئيس لمشروع الاستزراع السمكي، في منطقة شرق بورسعيد، وبحيرة البردويل، ومزارع الديبة الجديدة، تلك المنطقة التي عرفتها في طفولتي وشبابي، كمناطق أحراش،وأراض سبخية لا تصلح للبناء، أو الزراعة، فوجه الرئيس السيسي بالاستفادة منها، وإنشاء أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط، فتم تكليف الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية، برئاسة اللواء حمدي بدين، لتنفيذ مشروع الفيروز، وتطوير وتنمية بحيرة البردويل، بتطهيرها، وإزالة العوائق، ورفع كفاءة 4 مراس بها، وتطهير البوغاز، لدخول مياه البحر المتوسط. فضلاً عن إنشاء مصنع للثلج والفوم لتصدير إنتاج البحيرة، الذي يصل إلى 5000 طن في العام، ولتعود البحيرة لسابق عهدها، كإحدي أهم البحيرات لإنتاج أجود أنواع الأسماك، في العالم، من البوري والدنيس وسمك الموسى.
استفاد اللواء حمدي بدين من فترة وجوده في الصين، لتولي مهمة ملحق الدفاع المصري بها، منذ عدة أعوام، فاطلع على الخبرة الصينية في مجال إنشاء المزارع السمكية، التي تتفوق على خبرة الدول الإسكندنافية، عكس ما يظن البعض،فضلاً عن ملاءمتها للطبيعة المصرية، وعاد منها ليطبق المشروع عملياً، بإنشاء المزارع السمكية في غليون العام الماضي، وتلاها تكليفه بإنشاء المزارع الجديدة في منطقة الديبة، تنفيذا لتوجيهات الرئيس السيسي بزيادة نصيب الفرد من الأسماك، وتقليل الاستيراد، ليرتفع الإنتاج السمكي في مصر من 1٫4 مليون طن إلى مليوني طن في عام 2019.
تم تنفيذ هذا المشروع الجديد، مشروع الفيروز للاستزراع السمكي على مساحة 26 ألف فدان، بمواجهة ساحل البحر الأبيض المتوسط شرق بورسعيد لمسافة 17 كم، لإنتاج 13 ألف طن أسماكا، من خلال بحيرات الفيروز البالغ مساحتها 10 آلاف فدان، ثم حوض لاستقبال سفن الصيد بطاقة 6 سفن في المرة الواحدة، علاوة على استخدام تكنولوجيا الأقفاص السمكية العملاقة، لأول مرة في مصر، التي استحدثها اللواء حمدي بدين بعد زيارته إسبانيا، أكثر الدول استخداماً لهذا النوع من الاستزراع السمكي في العالم.
لم يكن ذلك المشروع الوحيد، بل أضيف إليه مشروع الديبة للاستزراع السمكي في المنطقة السبخية نفسها شرق بورسعيد، كأكبر مشروع للاستزراع السمكي في الشرق الأوسط، والسادس عالمياً، مقام على مساحة 204 أفدنة، ويتكون من 72 حوض استزراع سمكي، ومناطق إدارية، أهمها صالة فرز وتعبئة وتغليف المنتج، بطاقة طني أسماك و طني جمبري في اليوم، ونفق تجميد، وثلاث ثلاجات حفظ وتجميد، وماكينة ثلج، ومخازن للعلف، لتضاهي أعلى المعايير العالمية.
وتوالت المفاجآت السارة، في ذلك اليوم، بإعلان بدء إنشاء أسطول للصيد المصري، المقرر أن يبلغ حجمه 100 مركب صيد، بسعة طاقم 12 فردا، مجهزة بأعلى المعايير التكنولوجية المعمول بها في ذلك المجال من الاتصالات والرادارات، والتي تمكنها من الصيد في أعالي البحار، كأجهزة سونار لاكتشاف اسراب الأسماك، وأوناش لرفع شباك الصيد، وثلاجة لحفظ الأسماك بطاقة 21 طنا، وماكينة تحلية مياه، تمكن الطاقم من البقاء في البحر عدة أيام متواصلة، وماكينة ثلج بطاقة إنتاجية 5 أطنان في اليوم، علاوة على غرف المعيشة والمخازن. وتتولى ترسانة هيئة قناة السويس، في بورسعيد، بناء وصناعة تلك المراكب المتطورة، وفقا لأعلى المعايير الدولية، التي تم الاطلاع عليها، واختيار أفضلها وأنسبها لأسطول الصيد المصري الجديد.فتداعى لذاكرتي، في تلك اللحظة، مشهد مراكب الصيد القديمة، التي كانت تقف أمام لسان ديليسيبس، في بورسعيد، بمعداتها القديمة المتهالكة، حاملة الشباك، وألواح الثلج، تشق البحر، في مهمة لا يعلم عائدها إلا الله، وتعود من رحلتها، بحفنة من الأسماك لا تعوض مشقة الرحلة.
كان الافتتاح الرئاسي مخصصا لمزارع الاستزراع السمكي، ولكن أهم تصريحات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، من وجهة نظري، تمثلت فيما قاله سيادته من أن ذلك المشروع العظيم ليس الوحيد، إنما يتم العمل في عشرات المشروعات العملاقة بالتوازي، منها الجامعات الأهلية، وتطوير القرى والنجوع، والمدن الجديدة، ومشروعات الطرق والأنفاق، ومشروعات تحلية مياه الصرف والاستفادة منها في المشروعات الزراعية، وغيرها الكثير من المشروعات، التي تسابق الزمن لتحقق طفرات لشعب مصر العظيم، بجميع فئاته، ولتضمن لأجياله القادمة مستقبلا يليق بهم.