الفقر يُورث الكُفر

24-1-2021 | 15:53

أب يجرد ابنته الرضيعة من كل ملابسها في عز البرد في الشارع ويتركها، ليُعاقب أمها على خلافات بينهما، و"يتفرج" على هذا المشهد (كل الرجال في قريته بل يصورون ما حدث بالهواتف) وتصرخ السيدات لما يحدث ويأخذن الفتاة منه، بل ويُبلغن عنه البوليس فيدعي أن زوجته سيئة السلوك ليتهرب هو من سوء أخلاقه وسلوكه.
 
​- أب آخر يذبح ابنه (ذا الأربعة عشر عامًا) بمحافظة الدقهلية لأنه لا يستطيع الإنفاق عليه، أو كما قال إن الولد يعاني كهرباء على المخ، فقرر إنهاء حياته، فاشترى (كتر طبي) وذبحه، ثم ادعى أنه تغيب عن المنزل، وبدأ مع الأسرة رحلة البحث عنه.
 
- أب يقتل ابنه ذا الثلاثة أعوام تعذيبًا وضربًا، ويقول كنت "بربيه"، أب آخر يقتل طفله المعاق ذهنيًا من فرط التعذيب بمدينة نصر.
 
وغير ذلك الكثير من الحوادث التي يشيب لها الرأس وتجعلنا نشعر بأننا نرى الجحيم بأعيننا، ونتساءل ماذا حدث للناس لتتصرف بهذا الجنون، هل هي المخدرات المنتشرة بشكل خارج عن السيطرة خاصة في القطاعات الدنيا من المجتمع، أم أنه الفقر والعوز المهين الذي تُدهس فيه كل القيم والمشاعر الإنسانية الفطرية الطبيعية؟
 
- في الوقت الذي تتجه فيه عقولنا نحو الفقر والعشوائية وسوء التربية، والتعليم، والثقافة، وبالتأكد سوء الأدب نجد هناك حوادث أخرى تحمل نفس السلوك في طبقات اجتماعية مرتفعة، وبين أثرياء، ولأطفال آباؤهم في مناصب اجتماعية مرموقة: فهذه الفتاة القاصر التي تقود سيارة أبيها وهي دون العشرين فتصدم فتاة أخرى وتسحلها لعدة كيلومترات وتتركها تموت وتهرب.
 
وهذا الطفل الذي يقود سيارة أبيه الفارهة برعونة ويتطاول على أمين شرطة المرور عندما يعترضه، وغير ذلك الكثير من السلوك الإجرامي غير المنسوب لشديدي الفقر أو قليلي التعليم، كذلك ما نسمع من البذاءات في: تصرفات، أو ألفاظ، أو فضائح بين بعض الفنانين المشاهير، أو بعض الإعلاميين الذين تُفرد لهم البرامج اليومية بأهم الفضائيات فيتحفون المجتمع بمستوى من التعبيرات والألفاظ وأحيانًا التسريبات التي يشمئز من دلالتها أي إنسان نقي الفطرة وسليم النفس.
 
فهل هذا أيضًا هو (فقر) في الأدب والتربية والقيم؟ أم هو (تداعيات الفقر) التي رصدها دكتور "جلال أمين" عالم الاجتماع الشهير في كتابه (ماذا حدث للمصريين) الذي نشره منذ حوالي ربع قرن، ورصد فيه التغيرات الاجتماعية الضخمة التي مرت بالمجتمع المصري منذ حوالي سبعين عامًا، لكنه بالطبع لم يتطرق لما حدث في الألفية الجديدة والتي تم تعزيز الفجوات الاجتماعية والمادية وبالطبع الأخلاقية بها في المجتمع المصري بشكل متطرف وغير مسبوق، وخاصة بعد الاستقطاب الطبقي الحاد الذي حدث فترة الانفتاح وما بعدها.
 
- بالطبع هذه الحالات فردية وسط عشرات الملايين من الناس العادية الطبيعية الصالحة مع أسرتها ومجتمعها، سواء أكانت فقيرة أو غنية أو طبقة متوسطة تناضل لتعيش فى مستوى معقول متوازن اجتماعيًا وأخلاقيًا ونفسيًا، كي لا تنجرف في براثن تشوهات الطبقتين الأخريين اللتين وأن اختلفتا في مستوى المعيشة والمستوى الاقتصادي، لكنهما متشابهتان في اختلال القيم والتشوهات وفي فقر الأخلاق وفقر التدين وفقر التعليم والأدب، وهذا بالفعل الفقر الحقيقي الذي أصبحنا جميعًا نُعاني منه بكل مستوياتنا وأماكننا.
 
- السؤال الآن: لماذا لا يقدم لنا اليوم علم الاجتماع دراسة تجعلنا نصل لجذور العنف وغياب الوعي الذي نصطدم به مع هذه القضايا، لنعلم أصل العطب، ونحاول علاجه كأفراد، وكمجتمع وكدولة، يؤرقنا جميعًا هذا السلوك الإجرامي، الذي لو انتشر أكثر سيطالنا أينما نكن.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أماني القصاص تكتب: الله يدعو

في كل يوم وساعة يدعونا الله، ويفتح لنا أبواب القرب والود والقبول، له بالطبع أيام أقرب من أيام وأفعال أقرب من أفعال وكلمات أقرب من كلمات، يرشد أرواحنا بوصايا ورحمات جميعها لوصل واتصال وود ومحبة

أماني القصاص تكتب: طلاق غيابي

منذ أيام وفي خطاب هام أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي علي تعجبه من انتشار دعوات تحقير المرأة لدرجة السماح بالاعتداء عليها أو ضربها، رغم أن حضارتنا وأخلاقنا ودياناتنا تمنعنا عن ذلك

أماني القصاص تكتب: صناعة التفاهة

خبر عاجل في جريدة مهمة يتساءل: كيف حافظت عروس الإسماعيلية على مكياجها بعد أن ضربها العريس وأهله وسحلوها - لقاء خاص مع الكوافيرة

أماني القصاص تكتب: اضربوهن

لماذا نجادل اليوم في رجل يريد تربية زوجته وإجبارها على طاعته واحترامه والخوف منه؟ ومن الذي يمنع الزوج عن ضرب زوجته

أماني القصاص تكتب: أصحاب السينما

ضجة عارمة أثارها فيلم أصحاب ولا أعز المعروض علي منصة نتفلكس بسبب جرأة موضوعه وطريقة تناولها، لم أشاهد الفيلم للأسف ولم أقف عنده كثيراً لكن توقفت عند طوفان التأييد المطلق

أماني القصاص تكتب: الدولة والمعيلات

شابة مصرية لا توفق في زواجها رغم إنجابها أربعة أطفال أكبرهم ثمانية أعوام والأصغر عامان، كالمعتاد يتخلى الرجل عن الأسرة وتُجبر المرأة أن تتولى رعاية الأربعة

أماني القصاص تكتب: تساؤلات حول واقعة معلمة الدقهلية .. والتعليم أيضًا

سيدة شابة جميلة، تتطوع وتجتهد وتعلم أبناء الناس في إحدى المدن الحكومية المصرية، وتحصل على جائزة المعلمة المثالية بإجماع الآراء، تخرج السيدة ذات يوم في

أماني القصاص تكتب: الأخ بين المفترض والواقع

ألقتْ بكَ المقادير في يمِ الحياة طفلًا يتيم الأبوين فقيض الله لكَ أختًا ما كانت امرأة سوء ولا بغيًا، بصرت بك عن قربٍ وأنت لا تشعرْ

أماني القصاص تكتب: "يعني إيه راجل"؟

قد لا نحتاج في مجتمع آخر غير مجتمعنا المصري أو العربي لطرح مثل هذا السؤال البديهي المراوغ: يعني إيه راجل ؟ سؤال جاد جدًا ليس فانتازيًا

شيرين وغرفة التذكارات السوداء

نحمل ما اختبرناه في طفولتنا على أكتافنا طوال حياتنا، فالطفل الطبيعي بين أسرة سوية يهون حمله في الحياة مهما واجه بعد ذلك، والطفل المعذب يظل حمل الألم يؤرقه طوال عمره،