Close ad

ماذا تريد إثيوبيا؟

18-1-2021 | 10:28
الأهرام اليومي نقلاً عن

تتعرض العلاقات السودانية الإثيوبية لاختبار كبير. التهديدات بالحرب والمواجهة العسكرية وحشد القوات على الحدود الشرقية للسودان باتت جزءا من المناخ السائد بين البلدين، إضافة الى الخلاف المتصاعد بشأن مفاوضات السد الإثيوبي، رغم أن متحدثين رسميين من كلا الجانبين يخرجان أحيانا للتخفيف من حدة التوتر بالتأكيد على أن لا رغبة فى المواجهة العسكرية، وأن الحلول السلمية هى الخيار الأفضل.

السؤال الذى يفرض نفسه بين البلدين وفى مجمل الإقليم يتعلق بماذا تريد إثيوبيا من سياستها الساعية إلى فرض أمر واقع ليس فقط بالنسبة للسد وما يرتبط به من كبح تدفق مياه النيل إلى دولتى المصب، وإنما أيضا بالنسبة للحدود مع السودان البالغ طولها أكثر من 725 كم؟. المُعلن من المصادر الإثيوبية بشأن الحدود مع السودان يتناقض إلى حد كبير مع ميثاق الاتحاد الإفريقى الذى تستضيف أديس أبابا مقره منذ نشأته قبل ستة عقود، وهنا تبرز معضلة سياسية واستراتيجية بالنسبة للقارة الإفريقية كلها، ويتضح ذلك فى أكثر من موقف.

فالتوتر المتصاعد بين السودان وإثيوبيا والمتعلق بالحدود يصطدم ويناقض اعتراف أديس أبابا بالاتفاقية الموقعة فى 1902 بين بريطانيا كممثلة عن السودان آنذاك وبين الملك الإثيوبى مينليك، وما تلاها من ترسيم الحدود ووضع العلامات على الأرض، وتوقيع مينليك على وثائق الترسيم وإحداثياتها فى العام التالي، ونسخة منها موجودة فى الأرشيف البريطانى لوزارة الخارجية، وكذلك الإعلان المشترك بين السودان وإثيوبيا عام 1975 بين الرئيس السودانى أنذاك جعفر النميرى والإمبراطور هيلاسلاسى الذى أكدا فيه احترام البلدين لاتفاقية 1902 الحدودية ومحاضر الترسيم.

وهكذا فالموقف الإثيوبى يناقض ميثاق الاتحاد الإفريقى الذى ينص على احترام الحدود التاريخية لكل البلدان الإفريقية عند إعلان الاستقلال، وأن لا شرعية لتغييرها تحت أى سبب أو ذريعة. ومجمل الموقف الإثيوبى الساعى إلى إعادة التفاوض على الحدود مع السودان يضرب فى الصميم الأمن الإفريقى كله، فإذا كانت دولة المقر، والتى يُفترض فيها أن تكون أكثر حرصا على احترام الميثاق، وأن تكون قدوة فى حمايته وعدم العبث به، فإذا بها تفعل العكس، وتثير لأحد أبرز جيرانها مشكلة سيادية وإنسانية، وتتدخل فى أراضيه وتسمح لميليشيات عرقية وقبلية من الأمهرا مسلحة تسليحا ثقيلا، وتحت حماية الجيش الإثيوبى نفسه، بتجاوز الحدود وتهديد المزارعين السودانيين وقتلهم وطرد الكثيرين منهم والاستيلاء على أراضيهم.

الأكثر من ذلك، تأتى المواقف الإثيوبية المُعلنة زاعمة أن هناك طرفا ثالثا يحرض السودان أو جزءاَ من نخبته الحاكمة ليعادى اثيوبيا. ولا يخفى عن ذوى العقول الراجحة أن تلك حجة خائبة، والقصد منها توجيه الاتهام بطريقة خبيثة إلى المجلس السيادى والحكومة السودانية أنهما واقعان تحت تأثير خارجى بغرض معاداة اثيوبيا، فضلا عن زرع الانقسام بين مكونات النخبة السودانية الحاكمة.

وهذه ليست المرة الأولى التى تلجأ فيها أديس أبابا الى حرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية لأزمتها مع السودان وعدد آخر من دول الجوار، وهى أسباب تتعلق بالتوجه الاستراتيجى والتاريخى الإثيوبى لخلق وتشكيل واقع مادى لا يراعى القانون الدولى ولا حقوق الجيران ولا ميثاق الاتحاد الافريقي، بحيث يؤدى إلى التوسع الإقليمى على حساب الغير، وهو أسلوب صار هيكليا فى السياسة الإثيوبية، فى الوقت الذى أصبح مكشوفا للجميع.

فى المقابل، الموقف السودانى المتمسك بالاتفاقيات التاريخية يقدم النقيض من السلوك الإثيوبي. وجود القوات السودانية فى الأراضى المعروفة بالفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، والتى تمتاز بالخصوبة ووفرة المياه والانتاج الغزير هو حق سودانى أصيل، من شأنه أن يحول دون تكرار الاعتداءات التى اعتادت ميليشيات الأمهرا والجيش الاثيوبى القيام بها داخل الاراضى السودانية منذ 1995، بناء على تفاهم ضمنى بين نظام البشير وميليس زيناوي، بأن تتخلى إثيوبيا عن دعم المعارضة السودانية نظير تغافل نظام البشير عن تغلغل ميليشيات الأمهرا فى الأراضى السودانية.

وهو تفاهم غير قانونى ولم يعد له معنى بعد زوال نظام البشير المتواطئ على شعبه وسيادته. ولذا فإن إعادة انتشار القوات المسلحة السودانية فى تلك المناطق الحدودية يعد أمرا طبيعيا يتوافق مع اعتبارات السيادة بكل مفرداتها وأبعادها. خطورة ما اعتادت عليه الميليشيات الأمهرية والقوات الإثيوبية يتضح فى رد الناطق الرسمى باسم مجلس السيادة السودانى على التصريحات الخطيرة والعدائية للسفير الإثيوبى فى الخرطوم، والتى اتهم فيها القوات السودانية باحتلال تسعة معسكرات اثيوبية، وزعم نهب ممتلكات الإثيوبيين.

فقد وصف بيان المتحدث الرسمى للمجلس السيادى تلك المعسكرات المزعومة بأنها مستعمرات اثيوبية داخل الأراضى السودانية انفتحت عليها القوات السودانية، ويشير البيان أيضا إلى تحرير ما سمى بمكاتب الجمارك الاثيوبية ومعسكرات الميليشيات الأمهرية، وعددها 7 معسكرات فى منطقة الفشقة الكبرى بعمق يتراوح بين كيلو واحد و22 كيلو داخل أراضى السودان، وفى منطقة الفشقة الصغرى 10 معسكرات فى عمق الاراضى السودانية يتراوح بين 2 كيلو و11 كيلو مترا.

فرض امر واقع حدودى اثيوبى يطيح بالاتفاقيات الدولية ويتجاوز السيادة السودانية لم يعد مقبولا من قبل القوى الحية والوطنية فى السودان.
صحوة القوى الوطنية السودانية بمكوناتها المدنية والعسكرية أمر محمود لحماية الأراضى السودانية، وامتداده إلى مفاوضات سد النهضة مطلوب بشدة، سيمثل تغييرا فى الموازين التفاوضية نأمل أن يتحقق قريبا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
نحو قانون يحمي المجتمع ولا يهدمه

منذ أن تعلمنا على أيدى أساتذة عظام فى القانون، عرفنا أن القاعدة القانونية تتسم بعدة سمات، أهمها الدقة فى الصياغة والوضوح فى المعنى، وعدم التضارب مع قواعد

أوهام خريطة التمدد التركي

فى عام 2009، أى قبل 11 عامًا كاملة نشر مركز ستراتفور للأبحاث الأمريكى، والذى يُنظر إليه كتابع للاستخبارات الأمريكية، كتابًا لجورج فريدمان مؤسس المركز بعنوان

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها

الأكثر قراءة