قليلة هى الكتابات الساخرة بصحافتنا وثقافتنا عموما، وأقل منها تلك التى تحترم العقل وتروح عن النفس معا. غالبية ما نقرأه مجرد إفيهات ونكات وتهكم وربما ازدراء. الأمر أشبه بمسرحيات كوميدية يطلق فيها البطل العنان لنفسه، فيخرج عن النص ويدغدغ عواطف جمهور يضحك كثيرا لينسى ما سمع فور خروجه من المسرح.
هناك نوع آخر من الكتابة الساخرة ليس متوطنًا، للأسف، بثقافتنا يؤمن بأن الكتابة ليست «قزقزة» لب، بل لها دور ووظيفة ولصاحبها رؤية وموقف. الكاتب الكبير محمد سلماوى ينتمى لفئة تستفزها أحداث الحياة السياسية والاجتماعية، فتستخدم رصيدها الفكرى والثقافى للتعامل معها.
سلماوى أصدر مؤخرا كتابا بعنوان لافت: العفريتة، والتى تعود لما قبل اختراع التصوير الرقمى، حيث تستنسخ منها الصور وتكون الألوان فيها معكوسة، فالأسود أبيض والأبيض أسود، ومن خلال ذلك يتم طبع الصور بشكلها الصحيح.
الكتاب مقالات نشرها المؤلف عبر عقدين أو يزيد، اعتمد فيها تكنيك مفاجأة القارئ بعبارات معاكسة للمعنى، كأن يمدح قاصدا الانتقاد، ويهاجم مستهدفا الثناء. تعبيرا عن أساه للتراجع العربى الشامل، يقول: لا تقل الوطن العربى وإنما الشرق الأوسط الكبير. وردا على نغمة مطالبة الفلسطينيين بالقبول بما يُعرض عليهم، يكتب: ليت الفلسطينيين يقبلون الاحتلال والحصار لإرضاء العرب أصحاب الحكمة بأثر رجعى.
فى حديثه عن الصحافة، يلاحظ سيادة قاعدة المدح الشديد والتهجم الأشد، بينما التفكير والتوثيق والمعلومات غائبة. كتابات أقرب لزفرات وليس حتى خواطر. يتطرق كذلك لصحافة الفهلوة.. تنشر خبرا كاذبا اليوم وتنفيه غدا وتسُب شخصا ثم تعتذر له. إنها الصحافة المحلولة، أى كل شىء محلول، ولا مشكلة.
ظواهر اجتماعية عديدة، تناولها الكتاب، كالحجاب واستخدام الدين بشكل تجارى مقيت كتأليف كتب عن الإسلام وإنفلونزا الطيور وربما كورونا والفتاوى اللوذعية من إرضاع الكبير إلى حظر اختلاء المرأة بالتليفزيون أو الانترنت دون محرم.
هل غادرنا هذا المكان؟ ألا يزال ما طرحه الأستاذ سلماوى مزدهرا ومطلوبا، ألا تجد أننا ملتزمون بحكمة: من فات قديمه تاه. نفس القضايا، نفس المعالجة، نفس ردود الأفعال؟. ربنا يديمها نعمة ويحفظها من الزوال.