جاء إعلان الجمعية العمومية لـشركة الحديد والصلب بيع المصنع بمنزلة صدمة لقطاع عريض من المواطنين، خاصة الذين عاصروا مرحلة الإنشاء؛ لأنه كان رمزًا للتحدي والاعتماد على الذات في إقامة صناعة وطنية مستقلة؛ لأن الشركة ليست مجرد مصنع؛ بل هي مجمع لصناعات الحديد اللازم لإقامة العديد من الصناعات الأخرى من سيارات إلى ثلاجات أو غسالات إلى حديد التسليح والبناء والكباري.. وغيرها.
كما كان لهذا المجمع الصناعي دوره المهم في بناء حائط الصواريخ أثناء حرب الاستنزاف التي مهدت لـحرب أكتوبر المجيدة؛ لذلك يعد مجمع الحديد والصلب هو الصناعة الأم الضرورية لمعظم الصناعات الأخرى، وتدخل في نطاق الأمن القومي.
والغريب أن البلاد تشهد في هذه السنوات نهضة عمرانية كبرى في مجال إنشاء المدن الجديدة والإسكان والطرق والكباري، وكل هذه المشروعات تقريبًا في حاجة لمنتجات الحديد والصلب، وهي مشروعات حكومية، فكيف تخسر وتصفى شركة الدولة في أمس الحاجة لمنتجاتها.
يبدو أن هناك مشكلة في متابعة المال العام وحساب المخطئين أو المقصرين، وهي ظاهرة لا تتوقف على مصانع الحديد والصلب؛ بل تنتشر في كثير من ممتلكات الدولة أو القطاع العام والحكومة بوجه عام.
فمثلًا نجد كثيرًا من لمبات الإضاءة في الشوارع مضاءة نهارًا، ويتكرر ذلك في بعض المدارس حتى أيام العطلات!! من يحاسب هؤلاء؟ ثم الأحياء ومشكلات الرصف والطرق التي يصل بعضها للسنة الثالثة في حي المنيل ومصر القديمة على سبيل المثال.. وغيرها، ومخالفات العشوائيات، هناك مشكلة في متابعة وحساب وعقاب مسئولي الحكومة والقطاع العام؛ حيث يتعامل البعض منها على أنها مال سائب، لا يحاسب عنها أحد.
هذه هي المشكلة الكبرى التي نعاني منها في بعض المجالات، فهي ليست قضية مصنع أو مجمع صناعات؛ بل قضية الرأي العام والمتابعة والرقابة ومحاسبة المسئولين عن أي تقصير أو إهمال أو فساد في كافة قطاعات المال العام.
ومن هنا يصبح من الضروري مخاطبة الرأي العام بشكل منتظم، بل إشراكه في متابعة ممتلكاته، وقد يكون هذا من خلال تحديد منصات إلكترونية للتبليغ عن أي قضايا إهمال أو فساد فيما يخص المال العام؛ مثل إنارة الطرق والمدارس نهارًا ومشكلات قطاع الأعمال والشركات الحكومية وخلافه، ثم رصد مكافآت مجزية لمن يقدم مستندات تفيد بصحة هذه البلاغات، مع تكوين ما يشبه الشرطة المجتمعية أو الرقابة الشعبية لرقابة المال العام في كافة القطاعات.
وبوجه عام هذه مقترحات مبدئية قابلة للنقاش والتعديل، مع دراسة التجارب الأخرى في هذا المجال لتطبيقها، فهي ليست مشكلة أو قضية الحديد والصلب؛ بل قضية المال العام في مصر وتعامل البعض معه على أنه مال سائب.
وتتكرر المشكلة في صور شتى ومختلفة في حياتنا وقضية المحاسبة لكل مسئول بداية من حارس أي مدرسة أو شركة وتركه الأنوار أو المياه بلا داعٍ إلى كبار المسئولين في الشركات والأحياء.
والآن مطلوب محاسبة جميع المسئولين السابقين عن مجمع الحديد والصلب وخسائره، وإعلان ذلك للرأي العام حتى يقتنع الشعب بأي قرار، ويكون ذلك قدوة للجميع ومنعًا للشبهات؛ حيث يستفيد من بيع المصنع كثير من الشركات الخاصة أو المستوردون لهذه المنتجات.
وبالطبع للرقابة الإدارية دورها المهم في التحقيق والدراسة، وإعلان نتائج ذلك للرأي العام فهي ممتلكات الشعب، وإذا كانت المشكلة في توفير سيولة مادية فيمكن توفير ذلك من خلال اكتتاب شعبي عام على غرار مشروع تطوير قناة السويس لتطوير وتجديد شركة الحديد والصلب، خاصة أنها تمتلك أكثر من 6 ملايين متر مكعب من الأراضي التي يمكن بيع جزء منها لتجديد المشروع.. والله ولي التوفيق.