«أصبحنا نمتلك حريتنا، ويجب أن نستفيد منها لأقصى حد».. ذكرنى هذا التصريح لرئيس الوزراء البريطانى جونسون بمناسبة خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبى منتصف ليل آخر يوم من العام المنصرم، برواية المبدع الراحل إحسان عبدالقدوس: أنا حرة، والتى تحولت لفيلم شهير بنفس العنوان.
حصلت البطلة أمينة على حريتها وتخلصت من سيطرة الأسرة والمجتمع عليها، فماذا فعلت بحريتها؟. أصرت أمينة على أن التقاليد والعادات تشل قدراتها على التقدم والنجاح. بريطانيا، وتحديدا النخبة الحاكمة المحافظة، حملت الاتحاد الأوروبى، مسئولية فشلها الاقتصادى والسياسى. مهاجرو وسط أوروبا أكلوا الوظائف.
قوانين العمل الأوروبية تقتل الازدهار الاقتصادى. بيروقراطية بروكسل (مقر الاتحاد) تعوق المبادرات الوطنية. مئات المليارات التى تدفعها بريطانيا سنويا، ستعود لمصلحة المواطن لو خرجت لندن من الاتحاد. حسنا.. الطلاق وقع، ولا مجال بعد اليوم لتحميل أوروبا كل الشرور، فلمن سيتوجه اللوم؟.
بريطانيا لم تعد قوة عظمى لكن بعض سياسييها يتصرفون، كما لو أنها كذلك. رئيس الوزراء الأسبق جون ميجور لاحظ الأمر، وعلق: «لن نعود أبدًا لسابق عهدنا. فى عالم سكانه 8 مليارات نسمة، نحن أقل من 1% بكثير. نحن من قوى الصف الثانى. الحنين للماضى يفضى للتدهور القومى».
لكن جونسون دغدغ مشاعر البريطانيين وتحديدًا الإنجليز بأن لحظة المجد قادمة، بينما التقييمات الواقعية تشير لمستقبل غامض. اسكتلندا ترغب بالاستقلال، ولندن قد تخسر مكانتها كمركز مالى عالمى، والحديث عن تعويض السوق الأوروبية باتفاقات مع دول العالم مبالغ فيه.
ما الحل إذن؟ تصعيد النعرة الشوفينية ومهاجمة الأقليات وعدم التسامح مع المختلفين. المؤرخ البريطانى ديفيد أولسوجا، لاحظ أن صناعة اللوم بدأت بالفعل.. تضييق على الحريات الأكاديمية وانتقاد مؤرخين يتجرؤون على دراسة دور العبودية والاستعمار فى تكوين ثروات بريطانيا. رفض شديد لحركة حياة السود مهمة. محاولات لخلق عدو محلى لتحميله عثرات وأخطاء الحكومات.
إستراتيجية خلق عدو خارجى لإلهاء الناس والتملص من المسئولية قديمة ومنتشرة. بريطانيا دخلت مرحلة جديدة، وهى صناعة عدو الداخل. إنها محاولة للهرب من لحظة الحقيقة، ومن الإجابة على سؤال: ماذا ستفعل بحريتك؟.