Close ad

البوابة الإسرائيلية

9-1-2021 | 13:43
الأهرام اليومي نقلاً عن

بعد ما يقرب من عامين على فتور العلاقات الدبلوماسية سبقته فترة غير قصيرة من الشد والجذب وتبادل الاتهامات بين تركيا وإسرائيل، عادت أنقرة أخيرا للحديث عن رغبتها فى استئنافها، إذ قال مستشار الشئون الخارجية للرئاسة التركية مسعود كاسين فى تصريح لافت إن الأخيرة إذا خطت خطوة واحدة فى سبيل تحسين تلك العلاقات وإرجاعها إلى سابق عهدها، فإن بلاده قد تخطو خطوتين وتعيد فتح سفارتها فى تل أبيب وإعادة سفيرها هناك معللا ذلك بأهمية إحلال السلام والأمن للطرفين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما تسربت معلومات عما يدور وراء الكواليس للدفع فى هذا الاتجاه، وأن محادثات سرية جرت بينهما قادتها أجهزة أمنية، وجمع لقاءان بين وفدى البلدين برئاسة مديرى مخابراتهما، أحدهما فى ألمانيا والآخر بواشنطن، وكلها دلائل تشير إلى احتمالات تطبيع علاقاتهما فى غضون الشهور المقبلة.

ليس خافيا كيف كانت قوة العلاقات التركية الإسرائيلية ورسوخها على مدى عقود طويلة امتدت إلى أربعينيات القرن الماضى عندما اعترفت الأولى فى عام 1949 كأول دولة إسلامية بإسرائيل، أى فور نشأتها التى سبقت هذا التاريخ بعام واحد، وكانت توصف بالإستراتيجية شاملة المجالات كافة،عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية وتجارية، لكنها تدهورت فى السنوات الأخيرة فى ظل نظام الحكم الإسلامى لحزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، لكن للدقة لم تقع الخلافات فى بدايات عهده 2002 حتى لا يُصورها البعض على أنها تدخل ضمن الصراعات العقائدية والأيديولوجية القائمة على المبادئ، فالطابع النفعى ولغة المصلحة استمرا دون أدنى تغيير مثلما كانا مع الحكومات العلمانية السابقة، فقط حين ظهرت الطموحات الإقليمية للرئيس التركى وبدء تنفيذه مشروع العثمانية الجديدة، ليكون قائدا للعالم الإسلامى ومنطقة الشرق الأوسط، وما اقتضاه هذا المشروع التوسعى من تبنى لغة شعبوية تغازل عاطفة الشعوب لتمرير سياساته الخارجية وتبرير تدخله العسكرى فى أكثر من دولة عربية، بات يضع القضية الفلسطينية فى بؤرة اهتماماته، ومن هنا وقع الشقاق.

وكانت البداية مع قصف البحرية الإسرائيلية سفينة مافى مرمرة 2010 التى كانت ضمن أسطول الحرية وتحمل على متنها مساعدات إنسانية لقطاع غزة وقُتل فيها عشرة من الناشطين الأتراك، وهو ما تسبب فى أزمة دبلوماسية عاصفة امتدت لعامين، لكن تمت تسويتها بعد قبول الطرف التركى التعويضات التى قدمها الطرف الآخر، ثم فى 2018 وعلى أثر الحملة العنيفة التى شنتها القوات الإسرائيلية على القطاع، قررت تركيا إبعاد السفير الإسرائيلى من أراضيها لينخفض مستوى العلاقات إلى حده الأدنى باستثناء التبادل التجارى بينهما.بالتالى فالسؤال المنطقى هو لماذا تتراجع تركيا الآن وفى هذا التوقيت عن موقفها؟ والإجابة تتلخص فى عدة أسباب:

أولا، ما يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة التى ستتسلم مهامها الشهر الحالي، والمتوقع لها أن تكون أكثر حزما وأقل ودا مع أنقرة، استنادا إلى تصريحات الرئيس الديمقراطى جو بايدن الذى وصف أردوغان فى حديث له للنيويورك تايمز قبيل انتخابه بـ المستبد وقال إن تدخله فى سوريا والعراق وأماكن أخرى يمثل مشكلة حقيقية سيدفع ثمنها باهظا، بل وأفصح عن ضرورة دعم المعارضة، لذا سارع الأول بإعلان عزمه إجراء إصلاحات سياسية وقضائية تُحسن من مؤشرات احترام الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبار أن تلك القضايا ستحتل مكانة متقدمة على أجندة الرئيس الأمريكى الجديد بعكس سلفه ترامب، لكن ولأن طريق الإصلاحات يستغرق وقتا، حال صدقت النيات وهو أمر مشكوك فيه، فإن الأسهل والأسرع أن يتعامل مع تلك الإدارة من خلال البوابة الإسرائيلية التى قد تضمن له تأييد اللوبى اليهودى خاصة بعد أن فرض الكونجرس عقوبات على نظامه بعد عقده صفقة الصواريخ الروسية إس 400 وأصبح وضعه أكثر صعوبة وتعقيدا، باختصار إن السعى لاستعادة العلاقات مع تل أبيب يعنى محاولة استباق وصول بايدن للسلطة لتغيير وضعه السلبى على الساحة الأمريكية.

ثانيا، الأهمية القصوى التى بات يحتلها ملف الطاقة فى معظم التحركات الخارجية لتركيا فى الآونة الأخيرة، بحكم افتقارها الشديد لمصادرها الطبيعية، وكان دافعها الأول لدخول ليبيا وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، فضلا عن نزاعها مع كل من اليونان وقبرص حول أحقيتها فى التنقيب عن الغاز فى الشطر الشمالى للجزيرة الذى احتلته فى السبعينيات، بعد الاكتشافات الضخمة لحقول الغاز هناك، والمعروف أن الدولتين الأوروبيتين تحظيان بتأييد من الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وهو ما أوقعها فى النهاية تحت طائلة العقوبات من دول الاتحاد، ناهيك عن استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط الذى تأسس 2019 ويضم فى عضويته مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، إلى جانب ما يربط الدولة العبرية من تحالف وثيق مع قبرص وحدود بحرية مشتركة معترف بها دوليا، ومن ثم فلجوؤها إلى استعادة تحالفها معها فى هذا التوقيت ربما يكون نوعا من الالتفاف على الغضب الغربى عليها، ومحاولة للحصول على تأييد سياساتها بهذا الخصوص.

فى السياق نفسه يراهن نظام أردوغان على مكانة بلاده وأهمية دورها التاريخى، فهى تُعد منذ زمن سوقا كبيرة للصناعات الإسرائيلية خاصة فى مجال السلاح، وشريكا فى العديد من الملفات الإقليمية وفى مقدمتها مواجهة إيران، صحيح أن سعى أنقرة لتأمين منطقة نفوذ لها شمال سوريا لتحجيم الأكراد والقضاء على نزعاتهم الانفصالية وحلمهم فى إقامة دولة، اضطرها للتنسيق الوقتى مع طهران أو ما يُعرف بتحالف الضرورة، لما تتمتع به من قوة على الأرض هناك، إلا أن ذلك لا يُعد الأصل فى العلاقات معها التى طالما غلفها التنافس الإقليمى، لذلك فالرجوع عن هذا الموقف ليس صعبا، إضافة إلى هذا الملف فهناك شراكة أخرى فى القوقاز، مثلما بدا فى دعم كليهما «تركيا وإسرائيل» لأذربيجان فى حربها مع أرمينيا، ومعروف أنها من الدول المستقلة عن الإمبراطورية العثمانية، وأن إسرائيل بدورها توليها أهمية مميزة بالنظر لقربها من إيران وكذلك لثروتها من النفط والغاز، لذا ليست مصادفة أن يلعب الرئيس الأذربيجانى إلهام علييف حاليا دورا فى الوساطة بين الجانبين لاستئناف علاقتهما.

لكن كل ذلك لا يعنى نهاية الخلافات، بالذات فيما يخص الشرق الأوسط ودعم أردوغان لحماس التى تعتبرها إسرائيل حركة إرهابية، أما المفارقة الكبرى فهى، أن الأخيرة لم تعد تعانى العزلة كما كان وضعها قديما بعد توقيعها اتفاقيات سلام مع أكثر من دولة عربية، بل إن تركيا هى التى أصبحت تعانى العزلة على المستويين الدولى والإقليمى، فمن سيُملى شروطه على من؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
«عودة أمريكا»

عودة أمريكا هو العنوان الذى اختاره الرئيس الأمريكى جو بايدن لأول خطاب له بعد توليه المنصب، مثلما اختار أن يلقيه من مقر وزارة الخارجية وليس البيت الأبيض

بايدن و«تركة» ترامب

بايدن و«تركة» ترامب

أجندة بايدن

أجندة بايدن

الديمقراطية الأمريكية

الديمقراطية الأمريكية

بعد تصريحات ماكرون

جاء الحادث الإرهابى بذبح مدرس التاريخ الفرنسى على يد متطرف منتمٍ لتنظيم داعش يُدعى عبدالله أنذوروف، لا يزيد عمره على 18 عاما، وهو شيشانى من أصل روسى ويحمل

في السباق إلى البيت الأبيض

في السباق إلى البيت الأبيض

صراع المصالح في المتوسط

فى تصريحات شديدة اللهجة وعلى نحو غير مسبوق، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات لاذعة لسياسة تركيا فى الشرق الأوسط، ووصف سعيها للتنقيب عن النفط

بين بايدن وترامب

بدأ سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى ستجرى مطلع نوفمبر المقبل، واحتدمت المنافسة بين الرئيس الحالى دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى والطامح إلى ولاية

الصراع على ليبيا

لم يمنع الخوف الناجم عن انتشار فيروس كورونا، من استمرار الصراعات وتصاعدها عبر العالم وفى مقدمتها ما يجرى فى ليبيا الآن من احتدام المعارك بين قوات الجيش