يحدث في مدينة كبيرة من مدن محافظ الشرقية، وهي مدينة منيا القمح.. ويحدث في كل يوم إثنين من كل أسبوع.
الباعة الجائلون يفترشون الشوارع الواسعة المخصصة للسيارات والطرقات الضيقة المخصصة للمارة.. ومداخل المصالح الرسمية الحكومية والأماكن غير الرسمية.. يفترشون حتى أشرطة القطارات وجزءًا من رصيف محطة القطار.. ويفترشون أسوار الكورنيش وحتى النصب التذكاري في المدينة لا يخلو من الباعة الجائلين.
إنهم موجودون في كل مكان في أرض المدينة كأنهم قطرات أمطار أصابت كل جزء من المدينة بالبضاعة.
تتحول المدينة خلال اليوم إلى سوق كبير عشوائي.. وينتظر أهالي المدينة أن يمر هذا اليوم سريعًا، كأنه كابوس.. بل أشد.. فالكابوس يكون لحظة أو لحظات في ساعة الليل، أما سوق الإثنين الكبير فهو كابوس اليوم كله، هو يوم تأخر الأعمال للجميع، التأخر في الوصول إلى العمل.. التأخر في المرور سيرًا على الأقدام والتأخر في المرور بالدراجة أو السيارة.. وتقول الأسطورة حتى لو كنت طائرًا في سماء المدينة لسقطت من الأصوات المزعجة للمُنادين.
إنه يوم الاصطدام بكل شيء وأي شيء.. فإن استطعت أن تمرر قدميك من ثوب قماش مُلقى على الأرض.. فسوف تسقط في جبال من الفوط المنزلية لزوم تجهيز البنات، وإذا حدثت معجزة ولم تكسر طبقًا صينيًا مفروشًا على الأرض.. فإنك بالتأكيد ستضرب رأسك في أوانٍ منزلية معلقة في الهواء معروضة للبيع.. أما عن باعة الخضار والفاكهة والفراخ والأرانب والبط والأوز فحدث ولا حرج.
في هذا اليوم لا أحد من أهالي المدينة يرغب في الخروج من منزله إلا للضرورة القصوى.. ولا أحد يرغب أن يمر وسط هذا الكم من البضاعة في كل مكان.. الناس تشعر كأنهم دخلوا إلى دولاب ملابس منزلي ثم أغلقت عليهم الأبواب، وأمُروا أن يسيروا فيه.. فلا مكان للتنفس ولا مكان للحركة.
ولولا ظروف الحياة القاسية ومشاقها لأخذ الأهالي هذا اليوم إجازة أو مسحوه من الأجندة الأسبوعية.
الغريب أن الأهالي كانوا يعتقدون أنه مع تقدم الحياة وتطورها.. فالمفروض أن يختفي هذا السوق من مدينة كبيرة كمدينتهم.. فهذا السوق يليق بقرية صغيرة أو نجع ضعيف أو كفر ليس فيه عدد كاف من المحلات التجارية.. أما أن تكون مدينة لها ثقلها ولها رئيس مجلس مدينة ولها مركز للشرطة ولها محطة قطار ولها عيد قومي.. فهذا أعجب من العجب وأمر غريب حقًا مع تطور الحياة، كان المفروض أن يختفي هذا السوق من المدينة.. كما اختفى بائع الكشري من الوقوف على عربة خشبية، لتحل محله، محلات الكشري المجهزة المجهزة بكراسٍ للراحة والأكل وطلبات الديلفيري..
وكما اختفى أيضا بائع عصير القصب والعرقسوس من الشارع ودخلوا إلى محلاتهم وقدموا منتجات جديدة في العصير بالدوم والجزر والموز باللبن وغيرها، كذلك الحال في تجارة "الميني فاتورة" فقد ظهرت مكانها "سناتر" كبيرة تعرض أقمشة أطول وتنوعات للمشتري أكثر.
الأهالى يتعجبون، أليست أغلب البضاعة الملقاة على الأرض هي نفسها التي في المحلات؟!.. وأحيانًا بجودة أعلى وضمان موجود وتنوع للاختيار أكثر؟!
ولو استثنينا بائعي الخضار والفاكهة.. فلا يوجد مُنتج واحد موجود على الأرض غير موجود في المحلات التجارية، يستحق أن نقيم له سوقا كبيرة عشوائية كتلك..
هنا في هذا المقال لا أتحدث عن فوضوية وعشوائية الباعة الجائلين ولا عن افتراشهم الشوارع والطرقات بجوار المحطات والمستشفيات والأماكن الحكومية الحساسة.. ولا عن سرقتهم للتيار الكهربائي ولا عن المخلفات التي يتركونها وراءهم مصاحبة بإصدار روائح كريهة.. لا ليس هذا المقصود.. وأتفهم تمامًا أن هذا يحدث في بعض شوارع المدن المصرية الكبرى وبعض شوارع العواصم المختلفة في العالم.
ولكن المعنى والمراد والمقصود هنا، هو لماذا تتحول مدينة كبيرة بحجم وكبر مدينة منيا القمح إلى سوق عشوائي كبير؟!.. كلها بلا استثناء.. كل شوارعها وكل طرقاتها، ومن كثرة الزحام يمكننا تطبيق المثل الشعبي، لو رششت ملحًا على رؤوسهم لن يصل إلى سطح الأرض.
الإجابة فقط عند مجلس المدينة رئيسها وأعضائها.. والتي يقام السوق أمامهم كل يوم إثنين ولا يحركون ساكنا.
تويتر: @Tantawipress