ما زال القانون المصري القدیم یحوي في جعبته أسرارا وأطروحات لقضایا تشابه ما نمر به في وقتنا الحالي، فبالرغم من أن ھذا القانون القدیم تمیز عن قانون حمورابي بإعطاء المرأة حقوقھا وضمن عدم إھانتھا على جمیع المستویات، فھو لم یقتصر على إعطاء الزوجة حقوقھا عند الطلاق، بل نجد سلوكیات أجمل.
فقد عثر على بعض البردیات التي أطلق علیھا العلماء اسم "وثیقة الھبة"؛ حیث حررھا الزوج لمصلحة زوجته، ومنحھا فیھا منزلا. ونجد شقفة أثریة ورد فیھا أن أبا یھب لابنته مسكنا لیأویھا إذا ما قررت ترك بیت الزوجیة.
وفي بردیة تورین، وثیقة یحدد فیھا الزوج ما أعطاه لأولاده من الزوجة الأولى وما یخص زوجته الثانیة وأولادھا، أي بمثابة الوصیة. لقد حرص المصري القدیم على إحقاق الحق للزوجة وراعى الابنة، فنتج مجتمع صالح لم یشھد التنمر والتحرش والعنف.
ونحن نقترب من انتھاء ربع القرن الأول من الألفیة الثالثة، لا زلنا نشھد زیادة في قضایا المرأة، مثل التحرش، التنمر، العنف البدني والمعنوي. ناھیك عن تصدر المرأة جوھر قضیة الاتجار بالبشر رغم وجود العدید من المبادرات والندوات والحملات لمحاولة وقف ھذه السلوكیات غیر الدینیة.
وللعجب نسمع بعض الرجال یصرخون: "عایزین إیه تاني؟ شغل واشتغلتم. حقوق وبتاخدوھا وقوانین وعملتم الخلع. إیه تاني؟". ونري ھؤلاء یسارعون بنعت أیة سیدة حال تحدثت عن حقوق المرأة بالتحیز للمرأة ومناصرة قضایاھا. ولا توصف المرأة ب "المتوازنة" إلا إذا تحدثت لصالح الرجل وابتعدت عن الدفاع عن قضایا بني جنسھا.
ولكننا ھنا نتحدث عن حقوق الطرفین، بید أن التساؤل الذي یفرض نفسه على الرجل حین نتأمل قضایا المرأة: "من الذي وراء كل القضایا الأسریة تقربیا؟". ھل ھو الرجل أم المرأة؟ ولتقریب المسألة أكثر ولتبسیطھا نطرح التساؤل التالي: "من الذي یتحمل مصاریف وأعباء المنزل إذا مرض الرجل أو توقف عن العمل لسبب ما؟ إنھا المرأة التي تقوم بأدوار الزوج والزوجة والأم، إذا تعرض زوجھا لمرض أو ضاقت به الدنیا وقل رزقه، فنراھا تھب للوقوف إلى جوار زوجھا وتساعده وتلھث لتسانده بكل حب وود لتبقي ھذه الأسرة.
لن نجافي الحقیقة إذا قلنا إن الرجل، - لیس كل الرجال بطبیعة الحال ولكن بعضھم، ھم السبب في تدمیر الأسر، فمنھم من یجري وراء شھواته ومزاجه، فیترك امرأة بدأ معھا الحیاة إلى أخرى یراھا أفضل من الأولى، ولا یكترث ھنا بأسرته وأطفاله الذین یتركھم وراء ظھره. في حین تركض المرأة وینحني ظھرھا وتعول وتوصف بالمكافحة والكادحة.
وفي أحیان أخرى، تمضي الحیاة الأسریة لأكثر من ٢٥ عامًا ثم یضحي الرجل بكل ھذه السنوات تحت ذریعة أن زوجته أصبحت عجوزًا أو عاجزة، لیقرر طردھا من المنزل لیتزوج بأخرى، لیبدأ حیاة جدیدة دون النظر لآدمیة من شاركته حیاته وضحت بنفسھا ووقتھا وجھدھا لینجح ھذا الرجل. لا نقف عند ھذا الحد، فبعض النسوة یتعرضن لظروف قاسیة، مثل الضرب والإھانة، وربما تكون ھذه المرأة التي تھان الآن ھي نفسھا التي قبل الرجل یدھا من قبل لتوافق على الزواج منه!
ولا تزال المرأة تسعى إلى أن تحمي نفسھا وأختھا وابنتھا وأمھا، بتعدیل بعض القوانین التي منحھا الله لھا، لتقویم سلوكیات من حولھا طلبًا في السلام.
ولعل الأمل قائم لدى من یحثون على الالتزام واتباع ما أمرنا الله به، أن یسعوا جاھدین لتطبیق قوانین تحقق للأسرة والمجتمع الأمان والسلام. فمن الواجب الأدبي والدیني والإنساني أن تحتل ھذه الأمور أولویة التشریع وسرعة التطبیق والتنفیذ.
الأمر لیس حدیثًا عن الرجل في المطلق ولا یخصه وحده فحسب؛ بل الحدیث موجه لكلا الطرفین.
ونحن نقترب من عام 2021 وفي ظل حكم الرئیس عبدالفتاح السیسي الذي یدعم الأسرة المصریة ویحرص على توثیق ھذا الرباط، ومع بدایة عھد جدید لمجلسي الشوري والنواب واعتلاء السیدات مقاعد عدة تشكل ربع "النواب" تقریبًا، نأمل من أصحاب العقول الراجحة دعم قوانین جدیدة تحمي المجتمع والمرأة بالأخص التي ھي الأم والأخت والزوجة والابنة.
والدعوة في مجملھا نلخصھا في ما یسمي ب"فقه الكد والسعایة" وتطبیق ھذا الفقه المالكي الذي تأخذ عنه بعض القوانین المصریة فالأمر لیس بدعة، على أن یتم من خلاله تعدیل قانون الأحوال الشخصیة فیما یخص طلاق المرأة بعد أمد من الزواج) ولنقل فترة تزید على 20 عامًا تقریبًا، لیس ھذا فحسب، فھناك أیضًا قانون الرؤیة الذي یتطلب تغلیظ العقوبة لمن یمنع رؤیة الأطفال عن أي من الوالدین.
ھذه الأمنیة نوجھھا كدعوة إلى رجال الفقه والتشریع، لدراسة الأمر بھدف تحقیق الأمان والسلام للأسرة المصریة.
لا یموت حق وراءه مطالب یدافع عنه، ومعًا نحمي المرأة والرجل والأسرة المصریة.