Close ad

مذكرات طبيب في إفريقيا

24-12-2020 | 13:01

منذ عامين وفي شهر ديسمبر بالتحديد، كتبت هنا عن "طبيب مصري في زيمبابوي" هو الدكتور حسن عشماوي، وقبل أيام كان الدكتور عشماوي في زيارة سريعة إلى القاهرة، وأهداني كتابه "مذكرات طبيب في إفريقيا"..

لم تبدأ حياة صاحب المذكرات في تلك المدينة في زيمبابوي (بولاوايو.. التي تبعد 450 كيلومترًا جنوبًا عن العاصمة هراري)، القصة بالنسبة له أعمق من ذلك؛ لأنها ببساطة حياة تقف على الخلفية النفسية، الاجتماعية، والدينية لصاحبها.. تلك الحياة التي تأسست في مصر، في اليبت، المدرسة، طب قصر العيني، وتجارب العمل الأولى. هي الخلفية التي اتسمت بالفطرة والوعي والغايات، وبالتالي جعلت خيار البقاء في بولاوايو طبيعيًا وممكنًا بل وآثرًا..

وإذا كان الحلم الأمريكي النشط بين شباب وخريجي الجامعات، من بعد منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تزامن مع تخرج وتكليف الطبيب الشاب في محافظة الشرقية، فإنه طوال فترة التكليف لعام ونصف العام تقريبًا، تواصل مع جامعات أمريكية واستعد لامتحان السفر (المعادلة) أو VQE، إلا أن البريد أطاح بالحلم الأمريكي في المهد.

وفي الوحدة الصحية بقرية السماكين الغربية في مركز الحسينية بالشرقية عمل مشرفًا إداريًا وطبيبًا عاديًا وشرعيًا وطبيب صحة مسئولًا عن المواليد والوفيات وتطعيم الأطفال، بما جعله يشعر وكأنه ممثل وزير الصحة في القرية.

بعد انهيار الحلم الأمريكي ترشح لنيابة جراحة المسالك البولية وتسلم عمله كنائب جراحة المسالك البولية في الهيئة العامة للتأمين الصحي. ثم حصل على الماجستير في جراحة المسالك البولية من قصر العيني، أثناء عمله في مستشفي 6 أكتوبر بالدقي..

وعشر سنوات من العمل في مصر حتى تأتيه فرصة العمل في زيمبابوي عن طريق صديق بوزارة الخارجية عرض عليه السفر إلى بلد لا يعرف عنه شيئًا في قارة مجهولة بالنسبة له.. وكان ذلك في ربيع سنة 1992 عندما قرر السفر مع أسرته: الزوجة طبيبة أسنان، وابنه محمود لم يتجاوز الخامسة، وابنته دينا عمرها عامان.

كان السفر إلى زيمبابوي بعرض من الصندوق المصري للتعاون مع إفريقيا الذي تأسس في سنة 1980 كجزء من وزارة الخارجية، وذلك باقتراح من الدكتور بطرس بطرس غالي وبموافقة الرئيس السادات.. والذي قدم الكثير من التعاون مع دول القارة، في المجالات كافة، وأرسل منذ تأسيسه نحو عشرة آلاف خبير إلى دول القارة، ودرب نفس العدد من الكوادر الإفريقية في القاهرة، فضلًا عن المنح والمساعدات والقوافل الطبية..

وعندما وضعت الأسرة الصغيرة أقدامها في المطار ليخرجوا إلى العاصمة هراري، ليجد الدكتور الشاب مدينة غاية في النظافة والرقي والتقدم والنظام، مما جعله يفكر عما إذا كان الطيار أخطأ.. وأسابيع في هراري ثم السفر إلى بولاوايو والعمل في مستشفى إمبيلو، وإذ يواجه صعوبات في البداية مع نظام العمل واللغة وتعليم أبنائه، لكنه تأقلم سريعًا.

ربما تكون شعوب أخرى أكثر قدرة على التأقلم في دول المهجر، لكن يظل التأقلم للمصريين ممكنًا ومفيدًا، في التغلب على صدمة الغربة، ويشتهر اللبنانيون بذلك، حتى لو كان التبرير أن البلد صغير، وأنهم تماسيح كبيرة، في بحيرة صغيرة، كما قال لي الفنان اللبناني وديع الصافي..

وتمر أربع سنوات هي مدة التعاقد، وكان قراره ومن دون تردد البقاء.. وبدلًا من أربع سنوات استمر 28 سنة وحتى الآن.. ويشرح أنه بقي بسبب جمال البلاد وقوة البنية التحتية، نظام التعليم، سهولة العيش والحياة، الشعب المبتسم، وعلاقة الود والمحبة المتبادلة..

يقدم الدكتور عشماوي حصادًا لرحلته الإفريقية؛ ليبث من خلال سرده ليس فقط مزيدًا من العادات الاجتماعية والطقوس في بلد بعيد، وإنما إمكانية تحقيق الذات، والحرص على النجاح في أي مكان، وتقديم النموذج والتجربة القابلة للتكرار في أرض الله الواسعة..

ويكتب أنه قرر البقاء بسبب "تعلقهم بي وتعلقي بهم وعلاقة الحب والاحترام المتبادل بيني وبين جميع فئات الشعب بداية من المسئولين على أعلى مستوى في الدولة إلى أفراد الشعب العاديين جدًا"..

الاندماج الذي أصر عليه الدكتور عشماوي أثمر علاقات مهنية مهمة مع الأطباء زيمبابوي وغيرهم من أطباء إنجليز وهنود وألمان وسويديين ودنماركيين وهولنديين وباكستانيين وإيرانيين، وصفهم إذ رآهم في غرفة الأطباء بـ"تمثيل مصغر لمنظمة الأمم المتحدة".. والتأقلم أفاده في التعلم من أساتذة زوار من إنجلترا، بينما الكم الهائل من الجراحات جعلت الخبرة تزيد يومًا بعد يوم، حتى حصل على الزمالة الشرفية لكلية الجراحين الملكية بأدنبرة.

كما سافر إلى إنجلترا في رحلة تدريبية على جراحات مجرى البول، وكل ذلك أسفر عن أكبر إنجاز في حياته، كما يقول، هو اختراع تكنيك جديد في جراحة مجرى البول، بعضهم أطلق عليه: "عشماوي تكنيك"..

ويسجل الدكتور عشماوي اقترابه من المجتمع المحيط بتأسيسه الجمعية الطبية الإسلامية (لاحظ أن المسيحية يعتنقها 25% من السكان، وهناك معتقدات توافقية بنحو 50% من السكان ومعتقدات محلية أخرى 23% و2% من السكان من المسلمين).. وقامت الجمعية بقوافل طبية، وساهمت في علاج 65 ألف مريض بالمجان..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: