نقاش سياسى وفكرى ومجتمعى ساخن يحتدم حاليا بأوروبا حول أئمة المساجد. كلما وقع تفجير إرهابى، سارع اليمين المتطرف لإلصاق التهمة بالأئمة. إنهم سبب تشدد الشباب المسلم. يأتون من دول بعيدة ولا يفهمون طبيعة مجتمعات القارة العجوز، ولا يتحدثون لغاتها. ثم إن بعض الدول ذات التوجه الدينى المتشدد تمولهم.
هذه التهم التقطها بعض الزعماء، فسارعوا بحظر استقبال أئمة الخارج وإنشاء كليات إسلامية لتخريج دعاة محليين. حدث هذا بألمانيا وفرنسا وهولندا وبريطانيا. تبدو الفكرة جيدة، أى الاعتماد على مسلمين ولدوا وتربوا بأوروبا لكى ينيروا الطريق للمسلمين هناك. لكن وسط هوجة «أوربة» الإسلام، أى جعله أوروبيا، ينسى السياسيون أن التطرف لا ينشأ بالمساجد بل على الإنترنت، ذلك الفضاء المفتوح الذى يتلقى فيه الشاب آراء ومعلومات متطرفة وإرهابية دون رقابة. هؤلاء الشباب هجروا المساجد بادعاء أن الأئمة مهادنون.
ثم إن تدخل الدولة بالشأن الدينى يجعل المسلمين الأوروبيين يعتبرون المتخرجين فى الكليات طابورا خامسا يخدم الدولة وليس الدين. الإمام البارز بمدينة بوردو الفرنسية طارق أوبرو، صرح للفاينانشال تايمز بأنهم طالبوا بمنع التمويل الخارجى للمساجد ليس بسبب التطرف، ولكن لأنه يزيد عزلة الأجيال الشابة التى لا تستطيع التواصل مع رجال دين لا يتحدثون لغتهم ولا يفهمونهم، لكن ماكرون حول القضية إلى سياسة وتطرف.
هولندا أدركت خطأ التدخل الرسمى، فتخلت عن تأسيس مركز لتدريب الأئمة بعد خسارة المشاركة المحلية. المشاركون اعتبروه برنامجا أمنيا وليس مجتمعيا. المسلمون، وليس الدولة أنشأوا، كلية كمبريدج الإسلامية البريطانية، وهى نموذج ناجح للتعامل مع القضية. الدولة دورها حماية المبادرات المسلمة لا توجيهها.
فالمتطرفون الأوروبيون يوجهون رسائل الكراهية والعنف للمؤسسات الإسلامية. وعلى سبيل المثال، فإن بولنت أوكار مدير الكلية الإسلامية بشمال غرب ألمانيا يقول إنهم جعلوا اللوحة المكتوب عليها اسم الكلية صغيرة جدا خوفا من هجمات دعاة الإسلاموفوبيا.
فى ألمانيا فقط، هناك 3 أو 4 هجمات أو تخريب لممتلكات مسلمة أسبوعيا. الثقة والأمان والشعور بالعدالة كفيلة وحدها بتبنى المجتمعات المسلمة مبادرات دولها وعدم اعتبارها محاولات للتدخل بدينها وشئونها.