تناقلت وكالات الأنباء العالمية الأسبوع الماضي خبر ورد عن الصين يفيد أنها قد نجحت في التحكم في إسقاط المطر، وستكون قادرة خلال خمس سنوات على تغطية مساحة تقدر بأكثر من مليوني متر مربع، أي ما يعادل نحو 22 ضعف مساحة بريطانيا بالمطر.
وهذا يعني تحولاً كبيرًا في القوى الاقتصادية على مستوى العالم ويتبعه بالتأكيد قوى سياسية عظمى، لأن وفرة الماء تعني زراعة وتوفير وتصدير غذاء وهيمنة وسيطرة اقتصادية وتكنولوجية يتبعها بالضرورة هيمنة ونفوذ سياسي كبير على مستوى العالم.
وهذا يعني بوضوح أن البقاء للأقوى في العلم والتكنولوجيا الحديثة والاهتمام بالبحث العلمي والعلماء، فالعلم يعني حل المشكلات وتدعيم الاقتصاد والتفوق، وليس هناك مكان للضعفاء في العقود القادمة، مع التنبيه على خطورة تدخل الإنسان في المنظومة الطبيعية الكونية النشأة؛ لأن التدخل الخاطئ قد يخل بالتوازن الطبيعي والبيئي للكون، حيث إن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بمقدار يحافظ على التوازن البيئي.
ومن هنا خطورة تدخل الإنسان في الطبيعة وما قد يترتب على ذلك من تداعيات كونية خطيرة على البشرية جمعاء، وبعد ذلك يبقى السؤال المهم: أين نحن من التقدم العلمي والتكنولوجي كعرب على مستوى العالم أو على الأقل مقارنة بالعدو؟ للأسف الحقائق والأرقام خطيرة والفجوة كبيرة.
وعلى سبيل المثال فإن متوسط ما ينفق على البحث العلمي في الوطن العربي أقل من نصف في المائة من الدخل القومي في العقود الثلاثة الأخيرة، مقابل نحو 4 % في إسرائيل، أي أكثر من ثمانية أضعاف ما ينفقه الوطن العربي، ولذلك نجد الاختراعات العلمية العالمية لإسرائيل تمثل نحو خمسين ضعف اختراعات الوطن العربي، ثم نجد أن عدد اليهود الحاصلين على جوائز نوبل نحو 180 عالمًا، بنسبة 25% من جوائز الطب على مستوى العالم، و26% في الفيزياء، و19% في الكيمياء، واستمرار هذه الأوضاع، مرعب؛ فـالبقاء للأقوى علميًا.
وعلينا سرعة العمل العربي المشترك لمواجهة هذه الفجوة وسرعة الاهتمام بالبحث العلمي والعلماء لأنها قضية مصير ولا تحتمل أي تهاون، ويجب أن يكون للتعليم والبحث العلمي الأولوية الأولي لكل العرب، ولمصر دورها في الريادة والقيادة، فهي عمود الخيمة المسئولة عن القيادة وتعبئة الجهود والإمكانات؛ لأنها فعلاً معركة المصير الواحد والمستقبل المشترك، وليس هناك بديل عن معركة العلم والتكنولوجيا لكي نلحق بركب الحضارة والتقدم.
وإذا رجعنا للصين كنموذج آخر تجب الاستفادة منه نجد أن الصين حققت معجزة أو معجزات ونجاحًا مبهرًا؛ حيث استطاعت في نحو أربعين عامًا فقط تحقيق عدة معجزات في القضاء على الأمية، وتحقيق مستوى عالٍ من التعليم في كافة المستويات، مما ساعدها على تحقيق نهضة تكنولوجية مبهرة، حيث كانت الأمية 80% عام 1978، وتم القضاء عليها تقريبًا في أقل من أربعين عامًا؛ مما ساعد بالتالي على القضاء على الفقر من خلال توفير تعليم مجاني من مرحلة الحضانة إلى التعليم العالي، كما يحدث في ألمانيا، وكان عدد خريجي الجامعات عام 1978 نحو 165 ألف خريج، وصل إلى أكثر من ثمانية ملايين خريج جامعي، أي تضاعف عدد خريجي الجامعات أكثر من خمسين ضعفًا، وكان عدد طلاب التعليم العالي في الصين عام 2000 ،11% من طلاب الثانوي، ارتفع إلى 46% عام 2017، وتنفق الصين على التعليم نحو 5% من إجمالي الدخل القومي.
وكان متوسط الدخل الفردي في الصين نحو 26 دولارًا عام 1979، ارتفع إلى 1400 دولار عام 2018، وكل هذا بفضل الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي والعلماء والمعلمين، وللتجربة الصينية تحديدًا أهميتها لمصر، لوجود تشابه في كثير من الأبعاد البيئية بمفهومها الشامل، حيث إن الصين حضارة نهر وتمتد سنوات وعقودًا طويلة، ومصر أيضًا حضارة نهر، مما يستلزم دولة مركزية قوية، كما أن الصين كانت تعاني إلى وقت قريب، من مشكلات الدول النامية، مثل انخفاض متوسط الدخل الفردي وانتشار الفقر والأمية، وغيرها من مشكلات الدول النامية المتشابهة، مع وجود نماذج أخرى جديرة بالدراسة والاهتمام..
وللحديث بقية (إن شاء الله).