لماذا تتغير طبائع البشر وتنقلب العلاقات الإنسانية من النقيض إلى النقيض؟ فقد أصبح "سوء الظن" وكأنه دستور حياة للغالبية العظمى من الناس بشكل يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التسرع في الحكم على الأشياء والتعامل مع "الظاهر" وكأنه حقيقة مؤكدة، بينما هو في واقع الأمر مجرد "وهم" لا وجود له إلا في خيالهم المريض.
وبينما أكتب الآن، عن هذا الموضوع تذكرت حكاية قرأتها منذ فترة تقول: "إنه في إحدى المطارات كانت سيدة تنتظر طائرتها، وعندما طال انتظارها اشترت علبة بسكويت وكتابًا تقرأه بانتظار الطائرة وبدأت تقرأ، وأثناء قراءتها للكتاب جلس إلى جانبها رجل وأخذ يقرأ كتابًا أيضًا، وعندما بدأت بتناول أول قطعة بسكويت كانت موضوعة على الكرسي إلى جانبها، فوجئت بأن الرجل بدأ بتناول قطعة بسكويت من نفس العلبة التي كانت هي تأكل منها فشعرت بعصبية شديدة، وفكرت في أن تلكمه لكمة في وجهه عقابًا له على قلة ذوقه، وكلما كانت تتناول قطعة بسكويت من العلبة كان الرجل يتناول قطعة أيضًا فتزداد عصبيتها.. ولكنها كتمت غيظها إلى أن تبقى في العلبة قطعة واحدة فقط نظرت إليها وتساءلت بينها وبين نفسها: "ترى ماذا سيفعل هذا الرجل قليل الذوق الآن؟!".
لدهشتها قام الرجل بتقسيم القطعة إلى نصفين ثم أكل النصف وترك لها النصف الآخر، فقالت في نفسها "هذا لا يحتمل"، ولكنها كظمت غيظها مرة أخرى وأخذت كتابها وبدأت بالصعود إلى الطائرة، وبعد أن جلست في مقعدها بالطائرة فتحت حقيبتها وإذ بها تفاجأ بوجود علبة البسكويت الخاصة بها كما هي مغلفة بالحقيبة!
كانت الصدمة كبيرة، وشعرت بالخجل الشديد، عندها فقط أدركت بأن علبتها كانت طوال الوقت في حقيبتها، وبأنها كانت تأكل من العلبة الخاصة بالرجل!!
فأدركت متأخرة بأن الرجل كان كريمًا جدًا معها وقاسمها علبة البسكويت الخاصة به دون أن يتذمر أو يشتكي!
وازداد شعورها بالخجل والعار؛ حيث لم تجد وقتًا أو كلمات مناسبة لتعتذر للرجل عما حدث من قلة ذوقها، فهناك دائمًا أشياء إذا فقدناها بسبب "التسرع" و"سوء الظن" لا يمكن بأي حال من الأحوال استرجاعها.
[email protected]