إنهم يصنعون التاريخ. لا يهم إن كان للأفضل أم للأسوأ. سيطروا على السياسة، فأوصلوا زعماء وأحزابا شعبوية للسلطة. أهدافهم واضحة: أمريكا أولا وانجلترا وفرنسا وأستراليا أولا. لا للمهاجرين ولا للمختلفين عرقيا ودينيا. الوظائف لنا، وليس لأبناء شعوب أخرى. إنهم الذكور البيض، أبناء الطبقة العاملة الذين أحدثوا ثورة سياسية بالغرب خلال السنوات الماضية، ومستمرون، على الأرجح، لسنوات لا يعلمها إلا الله.
يعتقدون أن بياض البشرة والذكورة امتياز، والعكس صحيح. أن تكون ملون البشرة أو امرأة، هذا يجعل تصنيفك الإنسانى والاجتماعى أدنى. بالغرب عموما، من يحظى بالتعليم الجامعى قلة قليلة. غالبية الشباب تكتفى بما يعادل الشهادة الثانوية وتدخل سوق العمل. هذه الفئة عانت كثيرا خلال السنوات الثلاثين الماضية. كانت العولمة وبالا عليها. طحنتها البطالة بعد انتقال الوظائف لدول نامية رخيصة العمالة، وجاء المهاجرون، فحلوا محلهم. أفكارهم سطحية لكن ما وقر بعقولهم أنهم الأفضل والأقوى، ومع ذلك يأتى أناس من مجتمعات (متخلفة) ليأخذوا وظائفهم.
فى بريطانيا يريدون وطنا صغيرا منغلقا على نفسه وكارها للغرباء بمن فيهم الأوروبيون. تدغدغ مشاعرهم أوهام عن مجد بلادهم، ولا يصدقون أنه انتهى. يشعرون، كما تقول الكاتبة البريطانية جيميما كيلى،إن المتعلمين والنخبة يحتقرونهم ويسخرون منهم. عانوا الإحباط لدرجة أن وفيات اليأس لدى فئة الذكور الأمريكيين بمنتصف العمر، أدت لانخفاض متوسط الأعمار إجمالا.
لم يستوعب السياسيون التقليديون من اليمين واليسار ما حدث واستمروا يتغنون بالعولمة والانفتاح على العالم، بينما استغلت جماعات اليمين المتطرف هذا الإحباط ولعبت على المشاعر، فاجتذبت ملايين الأصوات. بدأ الأمر منتصف 2016 برفض استمرار بريطانيا بأوروبا ثم تكلل نهاية العام بوصول ترامب للسلطة، لينقلب العالم رأسا على عقب. ازدهر المدى الشعبوى ببلدان عديدة من الفلبين للهند والمجر والنمسا والقائمة تطول.
هزيمة ترامب لا تعنى نهاية الهوجة أو الثورة (سمها ما شئت). توقفت المسيرة مؤقتا، لكنها ستتواصل طالما ظل هؤلاء الذكور يشعرون بالغضب فى مجتمعاتهم، فلا تعليم جيد ولا وظيفة دائمة فى وقت تعاملهم النخبة باعتبارهم طبقة أدنى اجتماعيا واقتصاديا.
نقلا عن صحيفة الأهرام