Close ad

الخليج .. مصالحة شاملة أم تهدئة جزئية

7-12-2020 | 13:16

لاشك أن تضامن بلدان الخليج الستة يمثل إضافة كبرى للأمن العربى ودوره الاقتصادى عربيا وعالميا شريطة أن يكون ملتزما بالأسس التى تقوم عليها مواثيق الامم المتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجى نفسه، وأهم ما فيها تلك المبادئ الرصينة التى تحقق للجميع الأمان والمكاسب المشتركة والمتوازنة، من قبيل عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، أو مناصرة حركات عدائية تجاهها، والالتزام الاخلاقى والقانونى بعدم الإضرار المتعمد بمصالح الأعضاء الآخرين. وهذه كلها مبادئ تعرف بحق السيادة والدفاع الشرعى عن النفس.

وخروج إحدى الدول عن الطريق التضامنى القويم فى مجموعة إقليمية معينة يفسد المسألة من كل جوانبها، ويجعل هدف التضامن والعمل من اجل إعلاء المصالح الخليجية نفسها والمصالح العربية الاكثر رحابة مسألة شائكة وغير مقبولة جملة وتفصيلا. وهنا على الدول الأعضاء الأكثر حكمة والأكثر التزاما بالقيم العروبية والتضامنية سواء فى الإطار الخليجى الخاص أو الإطار العربى العام، واجب التدخل لتقويم السلوك المعوج وإعادة الأمور إلى نصابها السليم. هذا ما فعلته الدول الأربع منذ يونيو 2017 وهى مصر والسعودية والامارات والبحرين، من أجل استعادة قطر إلى طريق التضامن الخليجى والعربى، والتخلى عن سياسات ومواقف تدمير البلدان العربية، ودعم الحركات الإرهابية والتجاوز بالقول والسلوك تجاه القادة والشعوب معا. وامتدادا لهذا السياق الذى يحكم نقطة البدء، فإن عودة المياه إلى مجاريها كما يقال يظل مرهونا بأن تصحح قطر مواقفها وأن تتخلى عن سياساتها التخريبية والتدميرية فى العالم العربى عامة، والدول الأربع المقاطعة لها خاصة. هذه المقدمة هدفها التذكير بالمبادئ الأساسية التى تحكم أى مصالحة مع الطرف العاق، ودون ذلك تبدو الأمور لا علاقة لها بمصالحة موضوعية تحل الأمور من جذورها، وفى أكثر الأحوال طموحا وفق السياقات السائدة بعد هزيمة الرئيس ترامب هو أن تحدث تهدئة مؤقتة على الصعيد الإعلامى وبعض إشارات لا تقدم ولا تؤخر، خاصة فى ضوء تفسير الدوحة الخاص والذى أكده وزير الخارجية القطرى بأنهم على أتم الاستعداد للحوار مع احترام مواقفهم السيادية، مع دعم تركى لهذه الصيغة البائسة، ما يعنى أن الدوحة تريد تنازلات من الغير دون أى مراجعة منها. وهذه الصيغة عمليا تؤدى إلى مزيد من ثقة الطرف العاق بأنه هو الذى فرض إرادته، ولم يقدم أى تنازل، وأن الآخرين هم الذين جاءوا يطلبون الصفح والمغفرة. وأعتقد أن ثوابت السياسة المصرية واضحة فى هذا الشأن وليست محل نقاش. حتى الآن هناك إشارات ملتبسة، وهناك أطراف غائبة عن الحوار بشأن المصالحة التى يفترض أن تكون جماعية وليست أقل من ذلك، وهناك أيضا عامل الزمن الذى يضيف بعضا من الغموض والإثارة على قضية المصالحة الخليجية الجماعية. ونقصد به إعداد المسارح الإقليمية المختلفة لإدارة امريكية جديدة بعد شهرونصف شهرتقريبا لديها توجه مختلف عما كانت عليه الأمور فى السنوات الأربع الماضية زمن تولى الرئيس ترامب المنتهية ولايته. وهنا لابد من التذكير بأن إدارة ترامب تعرف جيدا كل التصرفات القطرية فى دعم الجماعات الإرهابية فى أكثر من بلد عربى وغير عربى، وفى إثارة المشكلات للعديد من الدول، وتعرف أيضا أن الدوحة تتعامل مع إيران بكل أريحية رغم موقف إدارة ترامب الصارم ضد إيران وما يعرف بسياسة اقصى عقوبات حتى ضد المتعاملين مع إيران، وتعرف أيضا أن قطر ما زالت تفسد التضامن الخليجى والعربى، ومع ذلك لم تأخذ موقفا قويا تجاه تلك المخاطر والتهديدات التى تمثلها السياسات والمواقف القطرية، ثم تأتى فى آخر أيامها وتسعى لتجاوز كل هذه السياسات التخريبية بدعوى استعادة التضامن الخليجى ومنع الأموال التى تدفعها قطر إلى إيران فى حدود 100 مليون دولار نظير خدمات الطيران القطرى فوق الأراضى الإيرانية.

هذه الملابسات على هذا النحو تثير أسئلة أكثر مما تقدم إجابات، وكثير منها يتعلق بأين موقع الأطراف الأخرى المعنية بالمصالحة التى يجرى الحديث عنها، وذلك إن كانت هناك مصالحة حقيقية وتستند إلى أسس ومعايير تحول دون عودة الأمور إلى نصابها السابق، كما حدث من قبل بعد وعود قطرية لم يتحقق منها شىء واحد وتبخرت فى يوم التوقيع على التعهدات وليس بعده. وأسئلة أخرى تتعلق برغبة الرئيس ترامب فى إثارة العديد من المشكلات وترتيب أوضاع إقليمية ودولية بطريقة تخالف توقعات إدارة بايدن المقبلة، وفى هذا السياق يبرز الحديث المتواتر أمريكيا حول احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض لكى يفسد أى احتمال بحوار إيرانى أمريكى فى ظل بايدن على قاعدة عودة واشنطن الى الالتزام باتفاق البرنامج النووى الإيرانى الذى نقضه ترامب مطلع تسلمه السلطة. وأسئلة ثالثة تتعلق بما هى الفوائد الحقيقية والكبرى التى يمكن أن يحصل عليها الأطراف الذين قد يقبلون تهدئة أو مصالحة جزئية فى حال تعرض الخليج كله لمواجهة عسكرية أمريكية إيرانية، وأخيرا وليس آخرا، ما هى الفوائد التى يمكن أن تتحقق فى الوقت نفسه الذى يستمر فيه الطرف العاق فى تمويل الإرهاب وجلب قوى أجنبية تعادى دولا خليجية مثل تركيا للعمق الخليجى نفسه.

هذه الأسئلة وغيرها قد تتضح إجاباتها بشكل كلى أو جزئى فى الأسابيع المحدودة المقبلة، وبالقطع فإن الكثير من الإجابات وفق الإشارات الواردة من واشنطن/ ترامب قد لا تحقق أى تقدم حقيقى فى وحدة الخليج وأمنه الجماعى، وربما تحمل من الضرر ما يفوق الوضع الراهن بكثير، رغم جسامة التهديدات المتضمنة فيه. إن استعادة التضامن الخليجى والعربى مرهونان بتراجع الطرف العاق ووضعه تحت الاختبار ليثبت جدارته بمصالحة مسنودة بتحركات واضحة ومحددة وليست غامضة. لقد تعلمنا فى السياسات العربية أن سياسة تجاوز حل المشكلات من جذورها تقضى على أي فوائد جزئية يمكن تحقيقها فى وقت وجيز، بل إن تلك الفوائد الجزئية والمؤقتة إن حدثت تنقلب حتما وبعد فترة محدودة إلى منغصات ومشكلات وتراجعات ومفاسد عديدة، الكل فى غنى عنها.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
نحو قانون يحمي المجتمع ولا يهدمه

منذ أن تعلمنا على أيدى أساتذة عظام فى القانون، عرفنا أن القاعدة القانونية تتسم بعدة سمات، أهمها الدقة فى الصياغة والوضوح فى المعنى، وعدم التضارب مع قواعد

أوهام خريطة التمدد التركي

فى عام 2009، أى قبل 11 عامًا كاملة نشر مركز ستراتفور للأبحاث الأمريكى، والذى يُنظر إليه كتابع للاستخبارات الأمريكية، كتابًا لجورج فريدمان مؤسس المركز بعنوان

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها

الانتقادات الروسية لدمشق.. وما وراءها

الأكثر قراءة