عملت 256 يوما دون توقف. مرضاى يكافحون العزلة وكورونا.. إنهم منقطعون عن العالم إلا من خلال التليفون. يريدون فقط رؤية عائلاتهم. يمكثون ليلا ونهارا بغرفة مع طاقم طبى يرتدى أفراده ملابس أشبه برواد الفضاء. لم أتعرض للانهيار لكن الممرضات، يبكين فى منتصف النهار. هكذا تحدث الطبيب الأمريكى جوزيف فارون بأحد مستشفيات هيوستن، بعد انتشار صورة له محتضنا أحد مرضاه.
لو حكى الأطباء والعاملون بالمستشفيات عن معاناتهم زمن كورونا، لقدموا شهادات إنسانية يعجز أبرع الأدباء عن كتابتها. لكنهم يعملون بصمت. يتقدمون صفوف المعركة. يستشهد منهم العشرات بينما يواصل الباقون القتال. لا يطلبون شيئا سوى التزام الناس بالإجراءات لحماية أنفسهم. يقول فاران: أشعر بالإحباط. كل يوم يذهب المواطنون للمقاهى والمطاعم ومراكز التسوق. إنه أمر جنونى. لا أريد أن أحتضنهم بالمستشفى. أتمنى ألا يخوضوا تجربة المرض ويتعرضوا لعزلة إجبارية عن أحبتهم.
بمجرد أن وصلت لعملى- تقول الممرضة مولى فرانسيس بمستشفى فى نيويورك - أبلغونى أن المريض الذى أتابعه يحتضر. أصبح الأمر طبيعيا. ليس هناك شعور أسوأ من أنك عاجز عن فعل شيء. يحز بنفسى أن يفقد مرضاى الأمل. يقول أحدهم: لا أريد شيئا من الدنيا. فقط أرغب فى العودة لمنزلى وليكن ما يكون. تواصل: أبكى كثيرا؛ لأنى أعرف عديدا من الأشخاص لم يعودوا يأخذون مسألة ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعى بجدية، بل إنهم يخططون للقيام برحلات جماعية أو قضاء العطلات معا. إنهم لا يدركون أن كورونا لا يزداد سوءا فقط، لكنه وصل لمرحلة الأسوأ. لا يمكننا محاربته وحدنا.. قوموا أنتم أيضا بدوركم.
لسنوات طويلة، امتلأت الصحف وانشغل الإعلام بالحديث عن أخطاء الأطباء. الآن، يمر خبر استشهاد طبيب باعتباره أمرا عاديا يحدث كثيرا. حان الوقت لتكريم حقيقى لهؤلاء الجنود الذين لا يكتفون بالكلام والنصائح بل يقدمون أنفسهم فداء لمصر والمصريين. لا أقل إذن من نظرة أخرى، مختلفة تماما عما سبق، لأوضاعهم المعيشية والمهنية وإعطائهم الأولوية فى الحصول على اللقاح عندما يتوافر. ومع أن الشكر مطلوب، إلا أنه لم يعد يكفى.
نقلا عن صحيفة الأهرام