Close ad

فنانة مصرية تخترق "قدس الأقداس" الفيتنامية

7-12-2020 | 15:27

نموذج آخر لنجاح باحثة شابة مصرية، مخرجة في مجال يتسم بالندرة الشديدة، حملتها قدماها إلى أقصى بلاد الشرق، وتحديدًا إلى جمهورية فيتنام، لتسبر أغوار ما يعتبرونه هناك من قدس الأقداس، ألا وهو فن العرائس المائية الفيتنامية.
 
هذا الفن غير مسموح بخروجه أو عرضه إلا في فيتنام، ويختلف كليا - تصميمًا وتصنيعًا وتحريكًا وعرضًا- عما نعرفه نحن عن مسرح العرائس التقليدي، لكن الباحثة مي مهاب، مديرة مسرح العرائس بالقاهرة، استطاعت أن تكسب قلوب وعقول فناني العرائس المائية الفيتنامية، فباحوا لها بأسرارها، لتصبح بعد تعلمها في فيتنام، وحصولها على درجة الماجستير، أول متخصصة في مجال العرائس المائية، وأدخلت عروضها إلى مصر.
 
مصر هي أول دولة تعرض الفن الفيتنامي المتفرد، بمصممين ومصنعين ومحركين وموسيقيين ومغنين ومخرجين مصريين، عندما جرى عرض ملحمة إيزيس وأوزوريس الأسطورية المصرية القديمة، بعرائس مائية في مركز شباب الجزيرة.
 
يوم الإثنين، الموافق 30 نوفمبر الماضي، شاهدت فيلمًا تسجيليًا لفقرات مبهرة من عرض العرائس المائية لملحمة إيزيس وأوزوريس، بمقر السفارة الفيتنامية بالقاهرة، بدعوة من السفير تران ثانه كونج، ضمن الاحتفال بمناسبة مرور 57 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفيتنام، وبحضور العديد من المدعوين المصريين والأجانب.
 
على هامش احتفال السفارة الفيتنامية بالقاهرة، التقيت الفنانة مي مهاب، واستمعت إلى قصتها، التي بدأت باختيارها لموضوع العرائس المائية الفيتنامية، بهدف الحصول على درجة الماجستير، وإصرارها على إتمامه، رغم المعوقات اللغوية والثقافية وحتى الجغرافية مع دولة تختص بهذا الفن المتفرد، وكذلك إصرارها على عرضه في مصر، ليصبح جسرًا مهمًا للتقارب الثقافي بين البلدين.
 
قبل أن أسترسل في سرد قصة نجاح الباحثة والفنانة مي مهاب، أود الإشارة هنا إلى مشوار طويل من الجهود والاتصالات والمكاتبات المكثفة، عايشتها شخصيًا مع نخبة من الرياضيين والشخصيات المصرية المرموقة، لإصدار مرسوم بتشكيل اتحاد مصري، يرعى رياضة صينية متفردة، تحمل اسم سباق قوارب التنين "دراجون بوت"، وقد بدأت هذه الرياضة المثيرة للاهتمام تنتشر في العديد من بلدان العالم، ونسعى جاهدين لاعتماد كيان رسمي يتولى إدارتها ونشرها في مصر.
 
أعود إلى قصة مسرح العرائس المائية الفيتنامية، التي واجهت بطلتها الشابة، مي مهاب، صعوبات ورفض منذ بداية الفكرة، وبدت وكأنها إبحار ضد التيار، ومع إصرار الباحثة، سافرت إلى فيتنام، وتعايشت بكامل جوارحها مع شعبها، وتحديدًا مع المعنيين بهذا الفن العتيق، تعلمت منهم تقنياتهم التقليدية في التصميم والنحت والزخرفة والتحريك لتعبر بدقة عن الشخصية في رواية العرائس المائية.
 
هنا تجدر الإشارة إلى أن العرائس المائية هي عرائس مركبة، يجري تصميمها اعتمادًا على حركتها وميكانيكية تحريكها بالتوازي، وفن التحريك في الماء، في حد ذاته، هو من أصعب الفنون حتى في موطنه الأصلي بفيتنام.
 
لم يبخل الفنانون الفيتناميون في احتضان الباحثة المصرية المغامرة، وتحدثوا معها بقلوب مفتوحة عن أسرار فن العرائس المائية، بل اعتبروها واحدة منهم، وعقدت لقاءات عديدة مع المدربين والمصممين والنحاتين بعد أن أتقنت اللغة الفيتنامية.
 
عندما شعرت الباحثة بتمكنها من فن العرائس المائية الفيتنامية، عادت إلى مصر، لتجد دعمًا ومساندة من البيت الذي انطلقت منه، البيت الفني للمسرح، بقيادة الفنان القدير فتوح أحمد، لتبدأ على الفور في التحضير للعرض المسرحي المصري الأول للعرائس المائية، وحتى يصبح العرض مصريًا، من حيث الطابع والهوى، جاء اختيارها ملحمة إيزيس وأوزوريس.
 
قامت الباحثة بتصميم وتصنيع ونحت العرائس المائية للملحمة التاريخية بطريقة مميزة تعكس الحضارة المصرية القديمة، كما وقع الاختيار على الفريق المصري المكلف بتحريك العرائس في الماء بعناية من حيث اللياقة البدنية والذهنية والفنية.
 
قبل عرض العرائس المائية لقصة إيزيس وأوزوريس بالقاهرة، قطع خبراء مرموقون من فيتنام مئات الأميال لنقل ثقافتهم، ولتدريب الفريق الفني المصري، تحت إشراف فنانين فيتناميين، هم: دو يانج، وتوت فان لوي وتوان مين تران.
 
بدأ التدريب الأول، فعليًا، بمعرفة كيفية تحريك العرائس على الأرض، حتى لا يصطدم المحركون ببعضهم البعض، وانتقل التدريب إلى حمام السباحة الخاص بمركز شباب الجزيرة، مع إعداد الديكور والأزياء الملائمة للعرض.
 
جرت وقائع العرض الأول للملحمة التاريخية، ولقيت استحسانًا مبهرًا من الحضور، لتفوز المعدة والمصممة والمخرجة، مي مهاب، بالسبق في إدخال فن العرائس المائية الفيتنامية إلى مصر لأول مرة، وليستمتع جمهور الحاضرين بأغنية "غابة الشمس" كلمات رامي عماد، وألحان ماجد مرسال، وغناء منار مدحة.
 
يكمن السر في ربط عروض العرائس المائية، التي يعود تاريخ نشأتها إلى أكثر من 1200 سنة، بقدس أقداس الديانة في فيتنام، إلى أن معظم النحاتين الفيتناميين الذين يقومون بتصميم وتصنيع العرائس المائية هم أنفسهم القائمون على نحت التماثيل في المعابد البوذية.
 
بقى أن أشير إلى إشادة السفير تران ثانه كونج بمساهمة الفنانة مي مهاب في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين مصر وفيتنام، مؤكدًا التطور السريع في مسار هذه العلاقات على الأصعدة السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسي لفيتنام في عام 2017.
 
ومن أهم نتائج الزيارة زيادة حجم التبادل التجاري بنسبة 15 في المائة عام 2020، ليصل إلى 600 مليون دولار، منها صادرات مصرية بقيمة 200 مليون دولار، ولتصبح فيتنام من أهم الشركاء التجاريين لمصر في رابطة دول الأسيان.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: