Close ad

الدين والسياسة والشيوعية (2)

22-11-2020 | 01:13

انتهى المقال السابق إلى أن استغلال الدين لأغراض سياسية صناعة غربية وماسونية المنبع، وللأسف شارك في صنعها أو على الأقل استوردها بعض المسئولين العرب باعترافهم لمواجهة انتشار روسيا وناصر في المنطقة العربية، ولذلك كانت تهمة الشيوعية تلصق بأي نظام أو حاكم غير مرضي عنه من الغرب وأتباعهم بوجه عام أو إسرائيل، وللأسف تم تجنيد منظومة إعلامية عالمية لنشر هذا الوهم.

وقاد هذه الحملات للأسف بعض المسئولين العرب والإعلاميين وبعض رجال الدين، وبالطبع شارك بعضهم بناء على معرفة بالحقائق لخدمة بعض النظم أو بمقابل وأيضًا المؤسف مشاركة الكثيرين في هذه الحملات بدون معرفة أو دراية كاملة باللعبة السياسية وأغراضها وأصحاب هذه اللعبة ونواياهم.

والواقع أن معظم إن لم يكن كل النظم السياسية في العالم الآن بعيدة لحد كبير عن جوهر الأديان السماوية بوجه عام.

والمحرك الأول؛ بل يكاد يكون المحرك الوحيد هي المصالح السياسية والاقتصادية؛ لأنه من التبسيط المخل مثلا ربط الدول الغربية بالديانة المسيحية أو التدين بوجه عام، ونفس الحال بالنسبة للدول الإسلامية، مقابل روسيا الشيوعية، وحتى لو ربطنا بينهما فالواقع أن روسيا الشيوعية أعطتنا السلاح والمدفع والطيارة التي ندافع بها عن أنفسنا وأطفالنا، وروسيا ساعدتنا في بناء المصنع الذي يعمل به أولادنا وينتج سلاحنا، وروسيا هي التي ساعدتنا في بناء السد العالي.

وذلك راجع لتوافق مصالح روسيا مع مصالحنا فهي مصالح أولا وأخيرًا بينما العدو يعتمد على السلاح الغربي في ضرب أولادنا وأطفالنا في بحر البقر ودير ياسين وعمالنا في أبو زعبل، والغرب اعترف بالقدس عاصمة للمعتدي فأي منطق هذا الذي يعتبر الصديق كافرًا والعدو مؤمنًا، وهل لاحظنا أن جميع الحكام الموالين للغرب لم يتعرض أحد منهم لأى تهمة أو انتقاد، ولكن من وقف ضد الغرب تم اتهامه بالشيوعية ومعاداة الدين ونشر الإلحاد وخرجت فتاوى رسمية من بعض الدول العربية والجماعات الدينية بتكفير ناصر.

وهنا نتذكر بعض المقولات عقب وفاة ناصر؛ حيث يقول كسينجر وزير الخارجية الأمريكي أشعر بالسعادة البالغة لأن ناصر كان أكبر عدو للمصالح الأمريكية والغرب في الشرق الأوسط، والعائق الأكبر لتحقيق مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة.

وقال "مناحم بيجين" بوفاة ناصر أصبح المستقبل مشرقًا أمام دولة إسرائيل، وسيعود العرب فرقاء كما كانوا قبل ناصر، وقال "حاييم بارليف" ناصر كان الد أعداء إسرائيل على الاطلاق ووفاته عيد لكل يهودي في العالم، فهل مصادفة أن أكبر أعداء الغرب والعدو هو الوحيد الذي اتهم في دينه وبالشيوعية، وخاصة أن الإسلام السياسي صناعة غربية وماسونية مع إنجازات الرجل المتعددة في مجال الدين.

وهو باختصار أول من أنشأ إذاعة للقرآن الكريم في العالم وأول من جمع القرآن الكريم مرتلا بصوت كبار الشيوخ، وفى شرائط كاسيت، وأنشأ أول مجمع بحوث إسلامية وأول مدينة بعوث إسلامية، وأول من جعل الدين مادة أساسية، وطور الأزهر وسمح للمرأة بالالتحاق به، وقاد تحرير أرضي وثروات العالم الثالث، ومعظمه دول إسلامية ووقف مع الضعفاء والفقراء أمام الكبار وغيرها من إنجازات.

بينما كل من تحالفوا مع الغرب أو رضي عنهم لم يمسسهم أحد بكلمة، فهل هذه مصادفة، وفب هذا المجال يحسب للشيخ الشعراوي - عليه رحمة الله - تراجعه عن اتهاماته لناصر عقب هزيمة 67، وذكر ذلك صراحة أمام الإعلام في زيارته لضريح ناصر قبل وفاته بسنوات قليلة.

وهذا درس مهم لكل رجال الدين لا تتسرعوا في الدخول والحديث في السياسة حتى تتم دراسة السياسة وأبعادها بدقة، وحتى لا تكونوا أداة لتحقيق أهداف العدو؛ لأنه للأسف استغل الأعداء بعض رجال الدين لخدمة مصالحه وتحقيق أهدافهم، ومن يريد العمل بالسياسة فلهذا مجال آخر يجب دراسته بحظر ودقة قبل الحديث أو الخوض فيه؛ لان السياسة لها قواعدها ومنظومتها الخاصة، وهي علم مستقل يرتبط بعدة علوم متشابكة من جغرافيا إلى تاريخ إلى اقتصاد إلى اجتماع وفلسفة وغيرها من العلوم؛ لان مسئولية رجل الدين تحديدًا كبيرة وخطيرة؛ لأنه قدوة للملايين ويقودها ويؤثر فيها بقوة وهذه مسئولية كبيرة أمام الله والوطن وليس من حق أحد اتهام آخر في دينه.

والله سبحانه وتعالى يقول لرسوله "صلى الله عليه وسلم" عليك البلاغ وعلينا الحساب، وفى آية أخرى (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وفى آية أخرى (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ).

ومن ثم فالحكم على تدين الشخص لله وحده وليس من حق أحد ادعاء العصمة مثلما يدعي البعض بأنهم الإخوان المسلمون، وهل من يرفضكم يصبح غير مسلم؟

الخلاصة من يخلط السياسة بالدين يسعى لمنافع دنيوية، فالدين لله ويمكن لأي حزب سيأسي أن يحدد ما يشاء من مبادئ دينية داخل برنامجه ويدخل منافسة سياسية والدين يكون من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية المبكرة من مراحل الطفولة ومن القاعدة لينشأ المجتمع على قيم وسلوك ديني سليم.

والحديث عن جماعة الإخوان المسلمين له بقية بوصفها أكبر جماعة إسلامية خلطت السياسة بالدين في العصر الحديث.. والله الموفق

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة