مع الضجة المندلعة حول الانسحاب الأمريكى من الشرق الأوسط، يشعر المرء كما لو أن أمريكا ستستقيل من دورها ونفوذها ومصالحها بالمنطقة وتصبح مثل سويسرا.. دولة لها سفارة، يكتفى مسئولوها بزيارات من حين لآخر دعما للتبادل التجارى والاقتصادى وربما الثقافي.. للأسف، هذه أحلام يقظة لن تتحقق فى المدى المنظور.
الحديث يدور عن خفض القوات بأفغانستان والعراق، وليس أن يحمل آخر جندى أمريكى عصاه ويرحل على الطريقة الاستعمارية القديمة. حتى هذه الخطوة مرفوضة من البنتاجون وغالبية السياسيين خاصة الجمهوريين الذين اعتبروها بمثابة ترك للميدان يذكّر العالم بالرحيل المهين من فيتنام عام 1975. لكن ترامب يستخدم حدوتة الانسحاب لإثبات أنه لم يدخل حربا وسعى لإعادة الجنود من هذا العالم (وتحديدا الشرق الأوسط) الذى لا يستحق تضحية أمريكا من أجله. وإذا قرر ترشيح نفسه للرئاسة عام 2024، كما يتردد، ستكون تلك إحدى أوراقه الانتخابية.
أمريكا موجودة بكثافة من خلال قواعدها العسكرية وأساطيلها. وإذا وقع حادث مفاجئ، فإن التقدم العسكرى الهائل يضمن لها الوصول قبل الآخرين، والمهام التى كانت تقوم بها جيوش جرارة قبل ربع قرن، تتكفل بها حاليا طائرات مسيرة وحاملات طائرات وأسلحة متقدمة أخري. المحلل السياسى ستيفن كوك يرى أن المخاطر على المصالح الأمريكية بالمنطقة، تضاءلت بشدة. ليس هناك تهديد لتدفقات البترول ولا لإسرائيل. إيران يجرى تحجيم طموحاتها رغم كل الحديث عن تهديداتها. الأمر يحتاج لإعادة تنظيم للموارد واستخدام أذكى للإمكانات لتحقيق الأهداف.
تجرية أمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر، من غزو لأفغانستان ثم العراق، واستسهال استخدام القوة العسكرية بسبب أو بدونه، أوجد معارضة شعبية أمريكية خاصة مع تصاعد أعداد الضحايا. ترامب يلعب على وتر هذا النفور المتنامي. يريد تقليل وجود بلاده العسكري، والذى أجج الصراعات وأسهم بظهور تنظيمات إرهابية اكتوت المنطقة بنيران إرهابها ودمويتها كالقاعدة وداعش وطالبان.
الإستراتيجية الأمريكية لم تتغير، وهى أن الشرق الأوسط منطقة نفوذ حصرية غير مسموح للقوى الأخرى بالعبث فيها. حتى التغيير فى التكتيك الذى يقترحه ترامب مرفوض من قيادات البنتاجون والسياسيين.
نقلا عن صحيفة الأهرام