تجدد أزمة الرسوم المسيئة، وعمليات الإرهاب البشعة التى رافقتها، أظهر ثقوبا سوداء فى أنماط تفكيرنا ونظرتنا للأمور، وخاصة العلاقة بين الإسلام والغرب. ردود أفعالنا أكدت تهافتنا وفشلنا فى تكوين رؤية رصينة تحترم حرية التعبير وترفض الإساءة للمقدسات مع الإدانة قولا وفعلا للإرهاب. إدانة حاسمة لا تعرف كلمة: ولكن، ولا تلتمس العذر للمجرم الجانى.
إلا أن الأزمة كشفت عورات مثقفين عرب تعاملوا بتعال وربما تحقير لمجتمعاتنا، وصبوا غضبهم ليس على الإرهابيين فقط بل على المسلمين والعرب واتهموهم بالتحجر ومخاصمة الحداثة والعيش بالماضى. أحدهم قال: «وعى المسلم حاليا لا يقارن بوعى المسيحى الأوروبى، وإنما بمستوى وعى أسلافه قبل مائتين أو ثلاثمائة سنة». بشكل آلى، أخذ المثقف النظريات الغربية وطبقها علينا، واستنتج أننا مجتمعات ظلامية متخلفة. تحدث عن الثورات الفكرية والعلمية والدينية التى شهدها الغرب ليصل إلى ما هو عليه. لم يسأل نفسه: ماذا فعل المثقفون العرب؟ وهل يمكن مقارنتهم بنظرائهم الغربيين الذين تعرضوا للاضطهاد والتعذيب والقتل دفاعا عن أفكارهم فى وقت ارتمى بعض مثقفينا بأحضان السلطات يدافعون عنها وعن مواقفها؟.
مثقفة أخرى هاجمت وصف الرسوم بالمسيئة لأنه يثبت( برأيها) فى ذهن الرأى العام التلازم بين الرسوم وحق التعبير وبين الاساءة للمقدس، لتستخلص أن من يفعلون ذلك يشرعون الباب أمام موتورين ممن هاجموا وقتلوا الأستاذ( الفرنسى) والمصلين وأبرياء آخرين. تتساءل الكاتبة: كيف نصدق من انبروا يهاجمون الرسوم الساخرة، وهم منتهكون مستبدون فاسدون تنبغى محاكمتهم؟ لو افترضناأنهم كذلك، هل لا يجب علينا انتقاد الرسوم.. ما العلاقة؟ الرسوم أساءت للنبى (صلى الله عليه وسلم) وليس للمنتهكين؟.
تجديد الخطاب الدينى وتنقيته من ترهات تراكمت عبر الزمن ضرورة، لكن التعامل على طريقة غلاة المستشرقين الذين اعتبروا الإسلام دين الجهل والتخلف والتعصب لن يقودنا للنتيجة المرجوة، وهى تعامل المسلمين بعقلانية واعتدال مع عالم القرن الـ21. الأهم أن هذه الطريقة ستزيد المثقف العربى انفصاما عن مجتمعه وتجعله يواصل حياته على الهامش، يتحدث ويكتب ويفكر من برجه العاجى ولا يسمع إلا صدى صوته.. ويا أيها المثقفون: ما هكذا تورد الإبل!
نقلا عن: صحيفة الأهرام