أصل «التجسس» فى اللغة: جسُّ الخبر، ومعناه البحث عنه وفحصه، ويقال: تجسس على فلان إذا فتش عن أسراره، ويطلق «التجسس» علي التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال فى الشر. ويطلق التجسس عرفًا على تتبع عورات العدو وثغراته ومواضع ضعفه ومعرفة أسراره الدقيقة، ومنه الجاسوس والجاسوسية، أما أن يتحول الأمر إلى تتبع عورات غير الأعداء، بل ربما الأصدقاء والزملاء لفضحهم والإيقاع بهم، فشيء جد غريب، وجد عجيب.
ديننا دين العظمة والرقي، والشهامة والنبل، وقد دعا إلى كل كريم من الأخلاق، ونهى عن كل دَنِيِّ منها. يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» (الحجرات: 11، 12).
فقد نهى ديننا الحنيف عن كل ما ينال من قيمة الإنسان وكرامته أو يضعه موضع الحرج أو التندر، كما نهى عن الغمز واللمز، إذ يقول الحق سبحانه: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» (الهمزة:1).
ومن أهم ما تضمنته التعاليم السامية لديننا السمح: النهى عن التجسس وتتبع العورات، حفظًا للحرمات وعملا على إشاعة الستر لا الفحشاء، إذ يقول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النور : 19)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ « (رواه أحمد وأبو داود).
وأشنع من ذلك رمى البرآء ظلمًا وافتراء، إذ يقول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ» (النور: 23-25)، ويقول سبحانه: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا»، (الأحزاب: 58).
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «أيما رجل أشاع على امرئ مسلم كلمة، وهو منها بريء، ليشينه بها، كان حقا على الله أن يعذبه بها يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال» (أخرجه الطبراني).
وقد نهى ديننا الحنيف عن المجاهرة بالسوء والفحشاء فيقول (صلى الله عليه وسلم): «كلُّ أُمَّتى مُعافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ وقد ستره اللهُ تعالى فيقولُ: عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يسترُه ربُّه، ويُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه» (أخرجه البخاري).
وأمر الإسلام بحفظ السر، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ» (أخرجه أبو داود).
* نقلًا عن صحيفة الأهرام