"ضحكتها حضن" هكذا دائما كنت أصف الراحلة الدكتورة فرخندة حسن صاحبة الابتسامة البشوشة المرحبة التي تقابل بها الجميع؛ سواء من تعرفه عن قرب أو تراه لأول مرة ومهما كانت مناصبها المتعددة أو مشاغلها فالكل مرحب به وهي في تمام الاستعداد للإنصات بإصغاء شديد.
بالفعل كانت شخصية استثنائية بداية من اسمها المميز (بضم الخاء)؛ والذي يعني الفرح بالفارسية، وذكرت لي أن جدها صاحب الأصول التركية هو الذي أطلقه عليها، وباعتبارها أستاذة جامعية متخصصة في علم الجيولوجيا ودراستها ودرجاتها العلمية كانت عن صخور القمر، وهذا تخصص كان في زمنها نادر أن تسلكه المرأة بالإضافة لمناصبها المتعددة في مجلسي الشعب ثم الشورى - النواب والشيوخ حاليا - وعملها أمينة المرأة في الحزب الوطني وبعدها أمينة المجلس القومي للمرأة فبتعدد كل هذه المناصب أصبحت شخصية فريدة في عالم المطبخ السياسي لوعيها بخريطة مصر السكانية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتحفظ مشاكلها عن ظهر قلب، ولذلك كانت دائمًا مستعدة للحديث أو الإدلاء برأيها في أى قضية وبوعي كامل وكانت صاحبة مقترحات سابقة عهدها أو غير مسبوقة.
ودائمًا كنت أقول إن بزوغ نجم د. فرخُندة حسن في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك هو ما جعلها لا تتبوأ مناصب أخرى كانت تصلح لها دون شك من بعد ثورتي يناير 2011 و30 يونيو فهي كانت صاحبة رؤية سباقة تتوافق إلى حد كبير مع سياسة الرئيس السيسي اليوم، فقد كانت تردد دائمًا أن الهدف الذي يجب أن تسعى إليه مصر هو الاكتفاء الذاتي من الغذاء بضرورة توسيع الرقعة الزراعية، وكذلك تطهير مصر من العشوائيات وكانت تحلم منذ التسعينيات وما قبلها بتولي النساء حقائب وزارية بعدد أكبر وتتبوأ المرأة المصرية منصب محافظ وهي مكاسب حصلت عليها المرأة بالفعل بعد ثورة 30 يونيو في عهد الرئيس السيسي.
فبسبب رؤيتها المتقدمة وخبرتها الواسعة والمتعددة التي لا يمكن إغفالها ظلت بشكل ودي حتى وفاتها مستشارة لكثير من الهيئات والجهات في أكثر من تخصص، وكانت من أبرز المدعوات دائمًا في المؤتمرات المتخصصة في مجالي المرأة والبحث العلمي.
ولن ينسى التاريخ أن د. فرخندة كانت أيضًا صاحبة بصمة كبيرة في مجال الدفاع عن قضايا النساء؛ فكانت من أبرز المدافعات عن حقوقهن في المحافل الدولية، وتبنت موقف مصر بالتحفظ على بعض بنود اتفاقية السيداو بما لا تتفق مع شرائعنا السماوية والعادات المجتمعية، وهي أهم اتفاقية أممية لحقوق النساء بالأمم المتحدة وتخاطب كل دول العالم.
وفي عهدها عند توليها المجلس القومي للمرأة كانت تحارب فكرة أنه مجلس الهوانم وتخرج تجوب المحافظات وتبنت من خلال شكاوى النساء قضية تجريم حرمان المرأة من الميراث وأظهرتها بوضوح على أجندة أبرز مشاريع القوانين المقدمة للبرلمان.
د. فرخندة حسن كانت تتمتع بقدر كبير من الذكاء الاجتماعي وساعدتها ملامحها البشوش على حب واحترام الجميع كبارا وصغارا فطوال مدة معرفتى بها من أوائل التسعينيات وحتى وفاتها لم تتغير معاملتها أو طريقة كلامها، وكانت تبدأ سؤالها بالجانب الإنساني والاجتماعي وإعطاء النصائح الحياتية المرتبطة ببناء الشخصية وتجارب الحياة وإذا ذهبت إلى منزلها تتحول إلى أم حنون ومضيافة بالترحيب والإصرار على مشاركة الأسرة الطعام وتحكي بعفوية عن أولادها وأحفادها، وعن قصة حبها الوحيدة مع زوجها الذي كان معيدها في الكلية وكيف بدأت أمومتها وأكملت دراساتها العليا معًا في سن مبكرة ولم تغفل أن تكون ماهرة في الطبخ وحياكة الملابس.
الجانب العملي في شخصيتها كان معروفًا بمساندتها الكبيرة وسعيها لإتمام العمل وتذليل الصعوبات أتذكر أنه في إحدى السنوات ساعدتني كثيرًا لكى يظهر إلى النور عمل ملحق صحفى كبير عن أبرز المشروعات التى تمت للنساء خلال فترة عشر سنوات، وجعلت المجلس القومي كله خلية نحل لإمدادي بكل التفاصيل في كل المشروعات والمحافظات، وعندما طلبت منها أن يتم توزيعه في مؤتمر رئاسي كبير عن المرأة وافقت دون تردد؛ بل وأشادت به في كلمتها وهو بين يدى الحضور في المؤتمر.
رحم الله د. فرخندة حسن على رقيها الإنساني وعطائها السياسي وقدرها العلمي فهي شخصية لن تنسى وسيظل من يعرفها يدعو لها ويمطرها بالرحمات.
[email protected]
نقلًا عن مجلة "نصف الدنيا"