Close ad

أثر التطورات الإقليمية الحالية على قناة السويس

4-11-2020 | 14:08

تشهد المنطقة العربية والإقليمية العديد من التحالفات والاتفاقات الجديدة تتعلق بـتطبيع العلاقات بين اسرائيل والبلدان الخليجية، والتى لم تقتصر على العلاقات السياسية فحسب، بل امتدت بآثارها لتشمل التعاون فى المجالات الاقتصادية، خاصة فى الاستثمار والزراعة والنفط وغيرها من المجالات. وما يهمنا هنا هو الآثار المترتبة على هذه التطورات على الاقتصاد المصرى عموما وقناة السويس على وجه الخصوص.

هذه المسألة ليست وليدة المصادفة أو جديدة فهى مطروحة بشدة منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى حينما طرحت فى القمم الاقتصادية للتعاون الشرق أوسطي والتى بدأت فى عمان 1994 ثم الدار البيضاء 1995 والقاهرة 1996، مع الأخذ بالحسبان أن الصيغة الجديدة تختلف تماما عن ذى قبل، إذ إن السابقة كانت ترى أن التعاون الدائم فى المنطقة يعتمد أساساً على إنهاء حالة الصراع وتأكيد ضرورة الأرض مقابل السلام. مؤكداً أنه لا يمكن تصور سلام شامل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة، أو دون اتفاقيات وإجراءات تضمن الأمن للجميع. بينما الصيغة الحالية تقوم على أساس أن تدعيم التعاون الاقتصادي، قادر على تحقيق الأهداف السياسية، بمعنى أن إيجاد مصالح اقتصادية متبادلة بين الأطراف الداخلة فى التحالف يمكن أن يؤدى فى مرحلة لاحقة إلى تسهيل التوصل لحل سياسي، ضمن ما يسمى إجراءات بناء الثقة.

وتعتمد الآلية الجديدة على القيادة الأمريكية بالأساس. وقد وجدت زخما هائلاً وسارت بخطى سريعة ومتلاحقة بغية تفعيل الأدوات الاقتصادية وتعزيز التعاون الإقليمي، وذلك دون اكتراث بما يحدث على المسار السياسى لهذه العملية. من هنا أصبحنا نشهد مساراً تاريخياً سريعًا، تتشكل فيه الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة من جديد، وخطت المنطقة خطوات جديدة على المسار الاقتصادى الساعي إلى تعزيز التعاون الإقليمي بين الأطراف المختلفة فيما يطلق عليه المشروع الشرق أوسطي الجديد. تتزامن هذه التطورات، مع الأزمة العالمية الحالية والناجمة عن انتشار فيروس كورونا، وما أحدثه من آثار وتداعيات على الاقتصاد العالمى وحركة التجارة الدولية. إذ أدى التباطؤ الاقتصادى الى تراجع كبير فى أسعار السلع الأولية وانخفض معدل التضخم، الأمر الذي أدى إلى هبوط نمو التجارة العالمية هبوطا تاريخيا، يعد الأكبر منذ تسعين عاما. الأمر الذى أثر بالسلب على الأوضاع الملاحية بالمنطقة ومن ثم على قناة السويس.

إذ أن حركة الملاحة ترتبط ارتباطا وثيقا بهما. كما ترتبط ارتباطا وثيقا بحركة النمو داخل البلدان الآسيوية خاصة الصين وكذلك حركة التجارة الخارجية لدول الخليج العربي. وهو ما يتزامن مع تدهور كبير فى العلاقات العربية/ العربية والتصدعات العميقة فى العمل العربى المشترك، إضافة إلى ازدياد مسألة الاختراقات والاشتباكات الحدودية، التي ارتفعت كثافتها فى الفترة الأخيرة، وهى أمور غاية في التعقيد والتشابك نتيجة لتداخل عدة عوامل يأتى على رأسها التفاوت فى إدراك مصادر التهديد بين الدول العربية وبعضها البعض. ناهيك عن العجز العربى فى التعامل مع مشكلات النظام الدولى الراهن، فضلا عن الانقسام الحاد فى الرؤى العربية للمصير المستقبلي. وأصبح الواقع العربي المعيش أكثر تعقيداً، خاصة فى ظل التناقضات والتفاعلات السائدة فى المنطقة. الأمر الذي نجحت الأطراف الإقليمية في استغلاله تماما، خاصة تركيا وايران وبالطبع اسرائيل، وهو ما يفسر التطبيع الخليجى الاسرائيلى والذى يأتى كمحصلة لكل ما سبق.
 
وبرز ذلك بشدة فى التوقيع على مذكرة التفاهم الخاصة بنقل النفط بين مدينة إيلات وميناء عسقلان خاصة أنها لن تقتصر فقط على نقل النفط الإماراتي إلى الأسواق الأوروبية، ولكن قد تشمل أيضا نقل نفط دول أخرى. 
 
وترى إسرائيل أن هذه العملية سوف تساعد فى حل مشكلة ناقلات النفط العملاقة التي لا تستطيع المرور عبر القناة، يضاف إلى ذلك مشروعات خطوط الأنابيب، حيث تركز إسرائيل أساساً على أن ارتفاع تكلفة نقل البترول عبر قناة السويس، يعزز فكرة إقامة خطوط نقل بديلة، أقل تكلفة، وتعتمد على استغلال عناصر البنية الأساسية القائمة. وتزداد خطورة هذه المسألة فى ظل ازدياد المنافسة مع العديد من المشروعات الأخرى مثل خط سوميد. ولذلك فإن تنفيذ هذه المشروعات وغيرها يؤثر على قناة السويس، خاصة أن البلدان التى تمر عبر أراضيها هذه الخطوط سوف تحظى بالعديد من المزايا، ففضلاً عن الرسوم التى تحصل عليها نتيجة للعبور بأراضيها، فهناك أيضا تشغيل العمالة وتحسين أنواع الخدمات داخل هذه البلدان ورفع كفاءة موانيها. ومما يزيد من خطورة المسألة أن خطوط الأنابيب تعتبر من وسائل النقل الرخيصة والآمنة للنفط، لأنها تمتد عبر أقصر المسافات بين مناطق الإنتاج ومناطق الاستخدام أو الشحن، وبذلك توفر مسافات كبيرة لنقل النفط بتكلفة أقل من وسائط النقل الأخري. وهناك مشروع إسرائيلي آخر هو إنشاء ميناءي حاويات، فى كل من إيلات على البحر الأحمر وأشدود على المتوسط لخدمة النقل بين الشرق والغرب بوصلة برية باستخدام اللواري، الأمر الذى سوف يحد كثيراً من حركة العبور فى قناة السويس وهو ما يوضح إلى أى مدى تؤثر بعض المشروعات المقترحة على الأوضاع الاقتصادية المصرية. خاصة أن معظم هذه الحركة تتم عبر قناة السويس وخط انابيب سوميد، حيث شكلت ناقلات النفط نحو 28% من اجمالى عدد الناقلات العابرة للقناة ونحو 22% من اجمالى الحمولة، اتضح لنا مدى الآثار المتوقعة.

هذه العملية سوف تؤثر كثيراً على قناة السويس، التي تعتبر أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة للاقتصاد المصرى وتلعب دورا مهما فى النمو الاقتصادى بالبلاد وتسهم بنسبة كبيرة فى تحسين أوضاع الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات. ومن ثم فإن أى نقص فى هذه الإيرادات سوف يؤثر بالسلب على أوضاع هذا الميزان، من ناحيتين أولاهما يتعلق بالنقص المتوقع فى حركة السياحة القادمة إلى مصر والثانى يتعلق بالنقص المحتمل فى إيرادات قناة السويس بسبب التحالفات الجديدة. إن الأمر أضحى من الخطورة بمكان بحيث يجب وضع استراتيجية متكاملة للتعامل مع هذه التطورات، تقوم أساسا على تدعيم المنطقة الاقتصادية بمنطقة القناة وجعلها مركزا للتجارة العالمية، خاصة فيما يتعلق بكل الامور المرتبطة بالنقل البحرى واصلاح السفن وغيرهما.
 
* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ضريبة الدخل والفصل بين السلطات

ان إعفاء المكافآت الممنوحة لأعضاء البرلمان من ضريبة الدخل يأتى أساسا لرغبة المشرع فى الفصل بين السلطات.. جاء ذلك التصريح على لسان وكيل لجنة الخطة والموازنة

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (3)

أوضحنا خلال المقالين السابقين أهمية الاستثمار فى صناعة الرياضة ودوره فى التنمية المجتمعية عموما والبشرية على وجه الخصوص، واصبح التساؤل الى اى مدى تعاملت

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (2)

أشرنا في المقال السابق الى أهمية وضع الرياضة فى خدمة التنمية البشرية بغية جعلها إحدى الأدوات المساهمة فى رفع كفاءة الأفراد والمساهمة فى تطوير الإنسان وهو