تعود نشأة كراهية الغرب للإسلام إلى عدة أسباب؛ أهمها تسويق المؤرخين البيزنطيين للعالم الغربي فكرة أن تمدد رقعة الدين الإسلامي وليدة غضب إلهي لأهل الغرب لابتعاد العديد منهم عن دينهم، وهذا حسب آراء بعض المفكرين، ويرون أن جوار البيزنطيين للدولة الإسلامية جعلهم يقدمون مفاهيم ذميمة عن الدين الإسلامي للغرب منها أنه دين دموي وأهله يتعاملون بقسوة.
واستمروا في تأصيل هذه الفكرة في أذهان الغربيين، ونجحوا في إفراز حالة نفسية عامة كارهة للإسلام والمسلمين، وجاء بعد ذلك ولعبت الصهيونية دورًا كبيرًا في تجذر تلك الفكرة باستخدام أكثر من وسيلة.
وعبر عصور ماضية اتبع رواد بارزون في الغرب منهجية كراهية الإسلام في مخاطبة شعوبهم، ويسجل تاريخ الغرب وقائع كثيرة تحض على هجوم المسلمين والتهجم على رسولهم الأمين، وتتجلى في أفضل إصدارات الغرب خلال العصر الحديث الصورة القميئة للعداء عن الإسلام، وهو كتاب "صدام الحضارات" لصمويل هنتنجتون.
ويزداد العداء للإسلام لدى اليمين الغربي خاصة بعد انتشار الدين الإسلامي وزيادة نسبة الالتحاق به في أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وأكدت تلك النتيجة أكثر من دراسة أجرتها معاهد بحثية في أوروبا.
وكان أبرز الصدمات الغربية للمسلمين في العصر الحالي حادث 11 سبتمبر في 2001، الذي زاد من مخاوف بعض الساسة الغربيين من انتشار الأقليات الإسلامية في العالم الغربي، ويقول الدكتور عبدالوهاب المسيري، إنه كان من المأمول تشكيل تفاعل بين الحضارة الإسلامية المتمثلة في الأقليات الإسلامية والحضارة كما حدث في الأندلس.
واستطرد قائلا: "للأسف لم يتحقق هذا التفاهم وزادت حدة التوتر"، ويرى المسيري أن الغرب يعتقد أنه الأقوى ومن حقه إداراة كل الحضارات والكيانات المحيطة به، وطبقا لرؤيته أن جيوش أوروبا قسمت العالم كله ونهبت ثرواته ومنه العالم الإسلامي، ولذا لا يقبل الغرب قيام كيانات إسلامية أو عربية يمكن أن تقاوم أفكاره وأساليبه، وفي هذا السياق نفهم سبب العداء الغربي للإسلام.
ويستكمل المسيري رؤيته ويقول اعتقاد الغرب بأن القوة المعيار الوحيد للحوار هو اعتقاد خاطئ، ولابد من الاحتكام إلى منظومة أخلاقية وإنسانية للتفاهم ولإمكانية تأسيس أرضية مشتركة للتعايش بين الطرفين في استقرار.
ولكي يتم التوصل إلى هذه الأرضية يجب قبول الآخر، ويرى المسيري ضرورة توجيه رسائل نقدية قوية للغرب ليدرك مدى تأثير الطرف الآخر.
ومصطلح الإسلاموفوبيا استعمله علماء الاجتماع الفرنسي لوصف معاداة بعض القادة الفرنسيين للمجتمعات المسلمة في زمن الاحتلال، ورفض التعامل معهم يرجع مصدره إلى التوجه العنصري لديهم، وثانيا إلى توجههم الثقافي والنفسي الناشئ من كثرة ترديد الخطاب المشوه للإسلام في آذان الغربيين عبر العصور السابقة.
وأرى أن القصد من تكرار نشر الرسوم المسيئة للرسول في الدنمارك وفرنسا في مناسبات إسلامية، يرجع إلى سبب ظاهري وهو كراهية الإسلام عند البعض، والسبب الآخر خفي وغير واضح وهو محاولة تأجيج مشاعر المسلمين وإشعال نار الفتنة الطائفية، وخاصة في بلادهم حتى يثيروا مشاعر مواطن مسلم غربي متطرف ليرتكب جريمة؛ ليستفيد منها أعداء الإسلام ويروجون لها بشكل كبير، لكي يستمروا في رفع شعار الإسلاموفوبيا.
Email: [email protected]