Close ad

أبناء النضال ... لا تفرقهم رموز الاستعمار

25-10-2020 | 11:51

مدينتى بورسعيد في مقدمة مدن مصر التي ولدت وعاشت مع القتال والمقاومة والمواجهة ونشأ أبناؤها معجونون بالصلابة والتحدى والاعتزاز والكرامة واعتصموا دائما بالتقارب ومحبتهم واحترامهم لبعضهم كأنهم أبناء أسرة واحدة وبيت كبير وليسوا فقط أبناء مدينة واحدة.

عندما رافقت الفنانة الكبيرة فاتن حمامة إلى بورسعيد لتصوير فيلم »ليلة القبض على فاطمة«... سألتني أين البيوت المتلاحمة المتساندة علي بعضها والتى كانت فاطمة تفر من مطارديها بالقفز فوق أسطحها؟ حكيت لها عن حى العرب وبيوته الخشبية بطرزها العمرانية النادرة التى تتلامس وتحتضن بعضها وتتواصل ايدى سكانها عبر نوافذها وشوارعها الضيقة وفى عدوان 1956 ومن عنف المقاومة الشعبية احرقها الإنجليز.

هناك يبدو البشر والبيوت والأشجار والحدائق والبحر والقناة كأنهم فى عناق دائم ضد الخطر وما فرضه علينا موقع مدينتنا وفرض معه وحدة صفوفنا والاستقواء ببعضنا فى مواجهة ما يتهددنا ومازال من أخطار وتحديات .. هل نسينا كيف توحدنا في التهجير واحتملنا ترك بيوتنا وكل ما نملك من أجل الإعداد للحرب وكيف اختلطت دماء شهدائنا وضحايانا من الآلاف الذين قاوموا ودفنوا تحت أنقاض ما أسقطته طائرات الغزاة فى الاعتداءات المتوالية على مدننا؟! فكيف بعد هذا التاريخ العميق والممتد الذى صنعنا فيه بتلاحمنا وترابطنا ملاحم انتصارات تحدثت بها الدنيا ومازالت ..

كيف يمزقنا أو يحدث الفرقة بيننا الاختلاف على مكان وضع تمثال يمثل رمزا من أسوأ وأقسى ما مر بنا من جرائم الاستعمار؟! وكما كتبت من قبل أثق أن كثيرا من أبناء بورسعيد وفى مصر كلها كانوا لا يعرفون حقيقة ما ارتكبه الاستعمار في حق بلادنا ودور ديليسبس صاحب التمثال فى الاحتلال البريطانى لها وكيف أدار فى حفر القناة واحدة من أكبر جرائم السخرة فى التاريخ ولا تعود إليه فكرة حفر القناة كما يعتقد الكثيرون بل إلى أيام أجدادنا الفراعنة والفتح العربى فهو لم يكن أبدًا مهندسا بل موظفًا فى السلك الدبلوماسى استغلت بلاده صلته بالخديو سعيد ليوقع جميع فرمانات الإذعان والاستغلال والاستذلال لمصر وأرضها وعمالها وفلاحيها وإفلاس خزانتها!!

وليس عيبًا آلا نعرف لكن العيب كله أن يتاح لك أن تعرف وأن تتجاهل وثائق ودراسات ورسالات دكتوراه منها ما هو موجود في أكبر جامعات فرنسا كرسالة الدكتوراه عن تاريخ قناة السويس فى أربعة أجزاء للدكتور مصطفى الحفناوى وغيرها من المراجع لباحثين وأساتذة محترمين من العرب والمصريين والأجانب والتي أشرت إلى بعضها فى مقالى الأسبوع الماضى ...أيضا كنت انتظر من بعض من ذهبوا إلى اليونسكو يستعدونها على بلادهم أن يدركوا أن هيئة قناة السويس الوطنية التى كان يوجد التمثال المهين فى مخازنها بعد أن حطمه الفدائيون والمقاومة الشعبية بعد عدوان 1956 لن تكون أقل حرصًا واحترامًا ومعرفة بحقائق التاريخ أو أقل قدرة على صيانة التمثال الذى نقلته إلى الإسماعيلية فى إطار الأعمال التى تتم لاستكمال المتحف الجديد العالمى للقناة والذى اعتبر التمثال أحد المكونات الرئيسية لتاريخ منطقة القناة بما له وما عليه وأيضًا كنت انتظر ممن ذهبوا لليونسكو دفاعًا عن تمثال لشخصية استعمارية بغيضة ماتت فى بلادها محكومًا عليها بالسجن والغرامة فى قضايا فساد بقناة بنما أن يطالبوا اليونسكو برفع تمثال العار الذى يضع فيه شامبليون حذاءه على رأس أحد ملوك الفراعنة على مدخل جامعة السوربون.

. وللأسف يثار الخلاف على تمثال لرمز من أسوأ رموز الاستعمار والمطالبة بوضعه كوصمة العار على مدخل قناتنا في أيام تمتلئ بتجليات انتصارنا على الغزوات والحروب الاستعمارية سواء فى الذكرى السابعة والأربعين لانتصارات السادس من أكتوبر على العدو الصهيونى المدعوم بأسلحة وتأييد الدول الاستعمارية وما يجب أن نلتفت إلى إعطائه حقه من الاهتمام والاحتفال فنحن على مشارف أحداث العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد والتى كانت مقاومته والانتصار عليه وطرده من بورسعيد وإفشال مخططه فى إعادة احتلال مصر واستعادة القناة من المصريين واحدة من أهدافها الرئيسية والتى من مخازيها توجيه إنذار لمصر بإبعاد قواتها عشرة أميال عن غرب القناة أو تقبل باحتلال أراضيها بالقوة ورفضت مصر الإنذار الخائب على الفور ولم تنس أمريكا أن تحاول أن يكون لها دور رغم ادعاء الهجوم على العدوان عندما اقترح دالاس وزير خارجية أمريكا عقد اتفاقية توافق فيها مصر على تدويل إدارة القناة وأن يتم إنشاء هيئة جديدة لإدارتها تكون مكاتبها على ظهر سفينتين ترسوان كل واحدة عند طرف من طرفي القناة وتدفع لهما رسوم العبور على أن يحفظ لمصر نصيبها المهين من أرباح قناتها!

فهل يريد البعض منا عن وعى أو بغير وعى أن يحققوا الهدف ولو ببقاء الرمز والبصمة الاستعمارية إلى الأبد على قناتنا وهل نريد لذاكرة الأجيال الجديدة ألا تعرف من ساعد الإنجليز على احتلال بلدهم وألا يصدقوا ما تذكره كتبهم فى المراحل الابتدائية والإعدادية عن قيام ديليسبس بهذه الجريمة وألا يعرفوا من قتل بالجوع والعطش والضرب والضياع فى الصحراء مئات الآلاف من أجدادهم فى حفر القناة كما سيعرف كل من سيقرأ وثائق حفر القناة وهل نريد لأجيالنا الجديدة ألا يعرفوا كيف استشهد وأصيب من أبناء بورسعيد فى مقاومة العدوان الثلاثى ومحاولة إعادة احتلال بلدهم واختطاف قناتهم وما فعلوه لإعادة ملكيتهم وسيطرتهم عليها من خلال الجماعة المشبوهة التي أطلقت على نفسها أصدقاء ديلسبس والقناة ولتظل القناة إلى الأبد تنتمى إليهم والتى يحاول بعض أبناء النضال والمقاومة عن وعى أو غير وعى أن يحققها لهم.

تميزت الشخصية البورسعيدية بالذكاء والوعي والثقافة والجمع بين حضارتي الشرق والغرب وتفوقت دائما كوادرها الثقافية والإبداعية الحقيقية والتى كانت تستطيع أن تدير لقاءات ثقافية يشارك فيها مؤرخون وأساتذة تاريخ وتعرض صفحات من الوثائق والدراسات والأبحاث التى عرضت فى مقالى السابق بعضا منها والتى وثقت ما ارتكبه ديليسبس من جرائم حتى لا ينخدع أحد فلن أصدق أن من أبناء النضال من يقبلون بإهانة تاريخ بلدهم أو دماء شهدائهم اذا عرفوا الحقائق واطلعوا على الوثائق أو من بينهم من يقبل بيع كرامة ونضال آبائه وأجداده بحفنة أموال وأكرر عظيم التقدير والامتنان لكل من شارك فى قرار حفظ كرامة تاريخنا ودماء شهدائنا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة