Close ad
23-10-2020 | 15:04

وقف أحدهم يقدم فاصلا من السخرية و"التريقة" على طريقة أداء وأسماء المذيعين والمذيعات داخل إذاعة القرآن الكريم.

مبدئياً ليس هناك أى نوع من الخلاف على أنه من حق أى مستمع للإذاعة أن يكون له رأي سلبي فيها وفي المذيعين داخلها هذا حقه ورأيه وهو حر فيه، ويمكنه أن يغير الإذاعة ولا يستمع إليها.. تماما كما يحق للمختلف مع الشاب أن يبتعد عنه ولا يستمع إليه.

لكن القضية ليست بهذه البساطة التي تبدو عليها.. فالقضية هي طريقة النقد وبأى أسلوب وثقافة الناقد نفسه وهدفه من النقد.. وليس "إهالة التراب" على كل شيء وأى شيء يحبه الناس أو يعجبون به، والمثير للتفكير حقًا أن النقد مختلف تمامًا عن السخرية والتنكيت والتريقة والقلش الرخيص.

لقد استمعت جيدًا للفيديو وإذ بالشاب الساخر قد تكلم بمياعة عن أحد البرامج الإذاعية.. حرك جسده ويديه كامرأة تميل وتتدلل.. ثم عاد وانتقد خشونة أصوات المذيعين.. ولا أعرف أيهما المحبب لقلبه، ولذلك جاءت السخرية لمجرد السخرية وليس النقد البناء.

لكن الجملة الفاصلة في رأيي في كلام الشاب هي: "إحنا بنام وهما شغالين".. لماذا هي الجملة فاصلة؟! لأنها جملة تفرق بين الذين يعملون ويجتهدون ويشقون ويكدحون وبين الذين ينامون ثم يستيقظون للسخرية والقلش.

هذه الجملة تحديداً جاءت تعبيرًا عما نعانيه من ثقافة تزداد مع مرور الزمن.. فقد اخترعنا حكمة شهيرة تقول: إنه كلما عملت بجد واجتهاد نلت من السخرية والتوبيخ والتقريع و"التريقة" ما لا تستطيع تحمله، ومع كثرة العمل لابد أن يكون هناك أخطاء، هذه الأخطاء تستحق العقاب.

أما لو كنت من النائمين المُدللين المرفهين الكسلانين الذين لا يعملون فبالتالى ليس هناك أخطاء تفعلها ولن تنال عقوبة أو جزاء أو على أقصى تقدير لن يخرج عليك "أحدهم" يسخر من عملك الدءوب لأنه ليس هناك عمل من الأساس لينتقده.

وليس هذا فحسب؛ بل قد تُكافئ وتُترقى في بعض الأحيان.. ألا ترى مكافأة منصات التواصل الاجتماعي للتافهين؟!! إنها تملأ خزائنهم بالأموال بعد أن تزداد المشاهدات على تفاهة وسطحية ما يقدمونه.. إنها ثقافة توقير وتقدير الكسل والسخرية والتفاهات والرقص.

القضية عندي أكبر من انتقاد "إذاعة القرآن الكريم".. والتي نقدها مسموح ومتاح، بل مرغوب فيه في كثير من الأحيان لكي تتطور وتواكب العصر أو لكي ترحمنا من إعلانات الشحاتة والتسول التي تقتحم الأصوات الجميلة والأداء الراقي لمذيعيها.

القضية في "إهالة التراب" على كل شيء جميل لدينا فى مصر.. فلم تعد قاعده "توقير الكبير واحترامه" هي الأساس.. بل أصبح مصطلح "كل شيء قابل للسخرية.. والنقد، وكما اخترعنا حديثا مصطلح "اعمل كثيرًا تخطئ كثيرًا فتُعاقب.. ولا تعمل فلا تخطئ ولا تعاقب".. اخترع القدماء مصطلح "إهالة التراب" الذي أراه عبقريًا في توصيف حالنا.

إنهم يهيلون التراب على كل شيء وأي شيء.. على "شيخ جليل" لمجرد أنه أخطأ في موضوع أو موضوعين ويتركون بقية ما قدم للعامة من توضيح وتسهيل في شرح القرآن الكريم.

إنهم يهيلون التراب على "زعيم سياسي" بسبب خطأ أو خطأين رغم أنه حاول قدر جهده وتفكيره.. ويهيلون التراب على "حقبة تاريخية" رغم ما فيها من إيجابيات بسبب خطأ تاريخي وقعت فيها، ويهيلون التراب على "لاعب كرة" بسبب سوء تقدير منه في موقف أو موقفين.

وإذا استخدمنا هذه القاعدة معهم، فإنه لن تعيش لهم قناة طالما اخطأت يومًا ما، ولن يعيش مفكر طالما أخطأ يومًا ما، ولن يعيشوا هم طالموا أخطأوا يومًا ما.

وإهالة التراب معناها أننا دفنا من نحب، فأصبح لا يعيش لنا رمز ولا كيان ولا مُجتهد.. لماذا نفعل فى أنفسنا ذلك مع أن الحياة ليست إلا نوعًا من التوافق المستمر مع سلبيات الناس.. والمعنى أن في الناس عيوبًا وأنا أيضًا.

وحياتي وحياتك هي محاولة مستمرة لكي نتوافق ونتعايش ونقدر بعضنا ونتجاوز عن أخطائنا وأن نكف عن رؤية كل قبيح في الآخرين.

عند الإغريق أسطورة مشهورة عن بنات الجورجون، كن إذا نظرن إلى شيء صار حجرًا.. إذا نظرن إلى الماء إلى الحدائق إلى البشر.. وهكذا جعلن الدنيا من حولهن أحجارًا تصعب الحياة معها، فالماء حجر والزرع حجر والبشر أحجار.

وضاق الناس بحياتهم وضاقوا من بنات الجورجون.. وأعلن الملك عن مكافأة لمن يعثر على حل أو مخرج لهذه المشكلة القاسية على الناس.. ومضى وقت طويل.. وأخيرًا اهتدوا.. لقد وضعوا أمام بنات الجروجون مرآة كبيرة نظرن فيها فتحولن إلى أحجار!

فهل نضع مرآة كبيرة أمام الساخرين ليروا فيها عيوبهم أولاً؟! أم نهيل التراب عليهم كما يفعلون مع كل جميل لدينا؟! لا أعرف.. ولكن، ما أعرفه أننا علينا أن نتوافق مع الناس والأشياء والحياة من حولنا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أحمد سعيد طنطاوي يكتب: بيت السحيمي والدراما

أثارت الكاتبة الكويتية دلع المفتي، عليّ المواجع، عندما طرحت سؤالا على حسابها الشخصي في تويتر.. عن البيت الرائع الذي يظهر في مسلسل راجعين يا هوى بطولة الفنان خالد النبوي.. وهل مفتوح للزيارة

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: "مصر أرض المجددين"

في رمضان هذا العام، لا يفوتني برنامج مصر أرض المجددين ، فهو وجبة دسمة فى التاريخ والدين والتراث والمواقف والمآثر عن عظماء مروا على أرض الكنانة، أثروا

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: تدبر آيتين من سورة البقرة

مع دخول شهر رمضان، أسارع أنا وغيري بالإمساك بالمصحف ونبدأ بقراءة القرآن، الكل يحاول أن يجتهد على قدر استطاعته، فمنا من يختمه قبل انتهاء الشهر، ومنا من

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: زراعة اللؤلؤ في الإمارات

على بعد نحو 200 متر من شاطئ خور الرمس في رأس الخيمة، استمعت ومجموعة من الصحفيين لمحب وهو يحكي عن حبيبته، والحكي عن المحبوبة يضفي على القول لمسة الصدق فتجعل الكلام يصل بسهولة ويسر إلى القلوب

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: التزييف العميق ووعي المواطن

في مارس 2021 ، أثارت مقاطع فيديو على تطبيق تيك توك ضجيجًا عالميًا حين ظهر النجم الأمريكي المحبوب توم كروز ، وهو يؤدي خدعة سحرية بعملة معدنية

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: رسالة للدكتور خالد عبدالغفار

أمر رائع أن يخرج علينا الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والقائم بمهام وزير الصحة، ليوجه بالاستجابة لصرخات المعاقين بشأن عدة نقاط طلبوها أكثر من مرة

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: تعذيب المعاقين .. من المسئول؟!

غريب ما تقوم الإدارة المسئولة عن موقع المجالس الطبية المتخصصة، وخاصة فيما يخص تسجيل المعاقين لتحديد موعد للكشف الطبي للحصول على سيارة مجهزة طبيًا

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: العلم في علبة الكشري

كانت تجربة لطيفة وخفيفة، عشتها فى مؤتمر صناعة الإبداع الثاني عشر المقام في القاهرة.. حين قدم رودريجو جارسيا جونزاليس ومعه شريكه، بيير باسلير فكرة رائدة