وكأنه لم يمر 35 عامًا! وسرعان ما تذكر الحاضرون حادث الماضي والذي تمت عنونته بنفس العنوان "فتاة المعادي" عام 1985، وكان حادث اغتصاب لفتاة من قِبل أربعة عاملين في مجال البناء، وأخذت حيزًا إعلاميًا كبيرًا؛ نتيجة غضب المجتمع، وتمت محاكمتهم سريعًا وتنوعت العقوبات بين الإعدام والأشغال المؤبدة.
لكن حادث الأسبوع الماضي هو حادث سرقة فقط لمتهمين اعتادوا على السرقة؛ لتناول المخدرات واعترفوا بعد القبض عليهم بأنها لم تكن جريمة السرقة الأولى لهم بخطف شنط الفتيات والهروب سريعًا بسيارة ميكروباص مملوكة لأحد المتهمين الثلاثة، وأن وفاة الفتاة تمت نتيجة تشبثها بشنطتها؛ مما أدى إلى اختلال توازنها وارتطامها بسيارة أخرى وحدثت الوفاة، ولم يتشابه مع الحادث الأول سوى أنه تم في نفس منطقة المعادي الهادئة وبأحد شوارعها الراقية.
ولكن كالعادة أضاف شعب السوشيال ميديا لمسته ونسب قضية التحرش - كمتلازمة - إلى منطقة المعادي؛ لأن الحادث تم مع فتاة أيضًا بجانب السرقة والقتل، مع أن الحادث كان يمكن أن يحدث لشاب بهدف السرقة أيضًا.
ورغم أن النيابة العامة أمرت بحبسهم واتهام اثنين منهم بجناية القتل العمد المقترن بالسرقة بالإكراه، وتحت التهديد وهذه عقوبتها الإعدام طبقًا لنص المادة 230 بقانون العقوبات أو الأشغال المؤبدة إذا أثبتا عدم توافر نية القتل العمد طبقًا للمادة 234 بنفس القانون.
الحادثان الحقيقة وجه التشابه بينهما أكبر من مجرد اسم؛ بل هو تقييم سلوكيات مجتمع لم تتغير بفارق زمني تعدى ثلث قرن بحساب السنوات.
مجتمع لا يزال يقذف على طريقنا أبناء نتحمل على الخريطة السكانية المتزايدة عددهم دون توفير تعليم جيد، أو حساب دخل الأسرة واحتياجاتها؛ عملًا بالمقولة البالية "العيل ييجي برزقه" ونلقي بهم إلى الشارع ليربيهم على صنوف المخدرات والبلطجة؛ حتى سجلت مصر اليوم معدل زيادة سكانية يمثل ثلاثة أضعاف منذ عام 1960.
مجتمع يعاني استمرار الطلب على تجارة المخدرات بجميع أنواعها، ورغم كل محاولات الدولة منذ أيام مداهمة وكر الباطنية الشهير، والقضاء على بؤرة المخدرات فيه فى الثمانينيات بقيادة وزير الداخلية أحمد رشدي، والذي لقب بـ"قاهر المخدرات" وقتها وحتى اليوم من حملة اختبار تعاطي السائقين المفاجئ، ووجود خط ساخن للعلاج المجاني وحملات التوعية بمشاركة المشاهير المؤثرين على الشباب، لكن الثابت حسب إحصائية صندوق مكافحة وعلاج الإدمان لعام 2018 أن 87% من الجرائم التي تحدث في مصر سببها المخدرات.
جرائم الشارع لم تكن معدلاتها هي الأفضل بالطبع؛ حيث زادت نسبة جرائم السرقة بالإكراه، كما ذكر تقرير قطاع مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية وارتفاع نسبة المسجلين إلى 55%.
الحادث الأخير كان فرصة طيبة - ولو بالخطأ - لاستمرار الحديث عن قضية التحرش، ومازلنا نطالب بتغليظ عقوبة التحرش من جنحة إلى جناية، كما حدث في تشديد عقوبة الختان؛ حتى يتم الردع الحقيقي للمتحرش، فهو اليوم يمكنه أن يدفع غرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه، ويقضي عامًا فقط بالسجن ويعود مرة أخرى لممارساته على الضحايا.
بالتأكيد لا توجد مدينة فاضلة، لكن إعادة ترتيب الأوراق في مرحلة ما تكون مهمة؛ حتى لا تتآكل جهود التنمية التي تتم اليوم على قدم وساق، ولم تحدث في مصر من عقود.
نحن نحتاج بكل وضوح إلى إستراتيجية لإعادة الأخلاق إلى البيت المصري تقوم على وضع أجندة موحدة تضم ترسيخ ثقافة الرياضة والفنون في العقول والوجدان، وتقديم دراما بعيدة عن البلطجة والمخدرات ترسي فيها قيمة احترام البيت وتماسك الأسرة، وتعلي من قيمة الأب كرب أسرة، وكذلك تؤكد فضل الأم والأخت والزوجة، وتخلو من مشاهد الكراهية والألفاظ النابية.
إصدار وزارة التربية والتعليم - هذا العام الدراسي الذي بدأ منذ أيام - كتاب القيم والأخلاق هو خطوة مهمة جدًا على طريق بداية تحقيق هذه الإستراتيجية التى أتمنى أن تجد طريقًا بين مهام الحكومة، وتعلنها حتى نكون على بداية صحيحة تحقق مضمون الكتاب، ومناخًا مجتمعيًا يجعل الطالب مصدقًا لرسائل الكتاب.
[email protected]