يبقى أنيس منصور (18 أغسطس 1924 - 21 أكتوبر 2011) طوال العقود التي قضاها كاتبًا وصحفيًا وأديبًا، علامة لا تنسى في تاريخ الثقافة العربية، صنع الراحل الكبير معادلة التميز والبساطة، فاختار أن يصل للناس سواء بنوعية كتاباته المختلفة أو بإسهاماته الصحفية المتنوعة، والتي امتازت كل منهما بالبساطة والتفرد، فعاش أنيس منصور قريبًا من السلطة خاصة في عهد الرئيس محمد أنور السادات، أو في عهد مبارك، الذي كان كان كثيرًا ما يُسأل عن الكاتب المفضل له فيجيب: " أنيس منصور".
موضوعات مقترحة
في الذكرى التاسعة لرحيله، "بوابة الأهرام" تستعيد أبرز محطات الأستاذ الكبير.
الكتابة عن الراحل "أنيس منصور" لا تنقطع، لأن صاحب الرحلة التي لا تنسى حول العالم، حجز لنفسه مكانة بارزة في المكتبة العربية، "أنيس منصور"، الحكاية الاستثنائية عن النبوغ والإصرار والموهبة، التي نسجها طوال حياة حافلة عاش فيها 87 عامًا كانت فألا حسنا على القارئ العربي، ولد أنيس منصور، في مركز شربين بالقرب من مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية، في 18 أغسطس 1925م، في وقت كانت صحوة الفكر المصري في قمة توهجها بعد سنوات قليلة من قيام ثورة 1919م، التي أعادت رسم الهوية المصرية ضد الاحتلال الإنجليزي، وضد سطوة الحكم الملكي.
أول الرحلة كانت مع القرآن الكريم، الذي عرف أنيس منصور انطلاقته مع اللغة من خلاله، حيث نجح في حفظه في سنوات عمره المبكرة بعد الانخراط في كتاب قريته، وأسس ذلك لقاعدة قوية ساعدت الفتى الصغير على النبوغ العلمي منذ بداية رحلته، فلم يكن غريبًا أن ينهي دراسته الثانوية متفوقًا على جميع أقرانه في جميع أنحاء مصر، حيث كان أنيس منصور صاحب الترتيب الأول لطلاب الثانوية العامة على مستوى مصر كلها.
أول المفاتيح للتعرف على عالم أنيس منصور ونشأته الأولى، وذكرياته مع القرية والكُتاب قبل دخول معارك الحياة العامة في القاهرة، سنجده في ذكرياته مع كتاب "عاشوا في حياتي".
كان "أنيس منصور" قريبًا من الناس، فقد عنى دائمًا بأن تُقرأ كتبه، فقدم عددًا كبيرًا من الكتب في مختلف المجالات في الأدب والفنون والفلسفة، وكذلك العديد من الأعمال الدرامية، وبالفعل كانت كتبه من أكثر الكتب مبيعًا وقراءة، ويذكر أن الرئيس محمد أنور السادات، هو من أشار على أنيس منصور بالكتابة عن العقاد، فأصدر كتابًا عنوانه "في صالون العقاد كانت لنا أيام"، والذي يعتبر واحدًا من أكثر كتب منصور شهرة.
في كتابه "في صالون العقاد كانت لنا أيام"، يضع أنيس منصور القارئ بمعية أعلام الثقافة المصرية أمثال توفيق الحكيم والعقاد وكامل الشناوي، كما أنها من أكثر الكتب التي تقرب القارئ لعباس العقاد، إذ أوضح منصور تأثير العقاد عليه فكريًا ونفسيًا، ولطالما تحدث منصور عن العقاد، واختلف معه في بعض النقاط إلا أنه تتلمذ على يديه وامتن له، ويتضمن الكتاب أيضًا جزءا من سيرة أنيس منصور الذاتية، والتي ذكرها في عدة كتب منها "عاشوا في حياتى" و"نحن أولاد الغجر" و"شارع التنهدات" و"كل شيء نسبى".
يكشف كتاب "عاشوا في حياتي" عن علامات النبوغ المبكر لأنيس منصور، حيث حفظ القرآن الكريم كاملًا، وهو في سن التاسعة، ثم بعد ذلك جذبه الأدب فحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي والأجنبي، وكان ذلك مؤشرًا أيضًا لنبوغه في تعلم اللغات، التي بلغ فيها مبلغًا لم يصل له كاتب مصري أو عربي.
ربما يكون الدرس الأكبر لأي كاتب أو مثقف مصري من حياة أنيس منصور، هو انفتاحه على الثقافات الأخرى، الذي لعب دورًا مركزيًا في تشكيل وعيه، فقد كان لتعلم أنيس منصور للعديد من اللغات، منها؛ الإنجليزية والألمانية والإيطالية واللاتينية والفرنسية والروسية، وإلمامه ببعض اللغات الأخرى أيضًا، هو ما فتح له الباب للاطلاع على ثقافات عديدة، كما كان عنصر قوة له في الحياة الصحفية والثقافية، حيث ترجم العديد من الكتب الفكرية والمسرحيات القادمة لنا من عدة ثقافات أخرى، كما ساعده ذلك على التنقل في العديد من بلدان العالم، وهو ما جعله أحد أبرز من قدموا أدب الرحلات في تاريخ الثقافة العربية، ومازالت كتبه في أدب الرحلات، مثل حول العالم في 200 يوم، و اليمن ذلك المجهول، وأنت في اليابان وبلاد أخرى، وغيرها من الكتب الشيقة، تتصدر قوائم المبيعات في مصر والدول العربية، رغم مرور عدة عقود على صدور بعضها.
كان الشغل الشاغل لأنيس منصور وشغفه كله مرتكزا على شراء الكتب ودراسة الفلسفة، كان الهم الأكبر لصاحب "رحلة حول العالم"، هو اكتشاف ذلك المحيط الكوني بالنسبة له، إلا أن المصادفة غيرت تلك الاتجاهات وجعلته ينظر لداخل نفسه من جديد، وذلك عندما دخل إلى صالون عباس محمود العقاد، الذي أعاد تعريفه بنفسه وكشف له العالم من زاوية أخرى لم يكن يعرفها، وقام أنيس منصور بتوثيق تلك التجربة في كتابه البديع "في صالون العقاد.. كانت لنا أيام"، حيث وضع العقاد أنيس منصور وجها لوجه مع مشاكل جيله الحقيقية، وكشف عذاباته وقلقه وخوفه، وكان كل ذلك وسط بيئة خصبة من الفكر والإبداع والتنوير، حيث يلتقي العمالقة طه حسين، العقاد، توفيق الحكيم، سلامة موسى وغيرهم من أعلام الفكر والثقافة المصرية، ومن ذلك النبع المتدفق، شرب أنيس منصور حتى ارتوي.
بدأ أنيس منصور عمله الصحفي في مؤسسة "أخبار اليوم"، ثم التحق بجريدة الأهرام، ومكنته خبرته الواسعة من ترأس تحرير عدد كبير من الصحف والمجلات منها؛ آخر ساعة وأكتوبر والجيل، وكما رأس إدارة دار المعارف، وختم مشواره الصحفي الطويل والفريد بعموده الثابت بصحيفة الأهرام "مواقف"، والذي ظل يكتبه حتى وفاته في 21 أكتوبر2011، وقد لعب المزيج ما بين الفلسفة والأدب والمهارات الصحفية الفائقة في الكتابة، دورا مهما في فتح الطريق لأنيس منصور في بلاط صاحبة الجلالة، فكان من أصغر من تولى منصب رئيس التحرير في الصحافة المصرية، وكان وقتها لم يكمل الثلاثين من عمره.
في "مواقف" كان يثير أنيس منصور قضايا فكرية، ويحكي نوادر خفيفة عايشها، ويدلي بوجهة نظره في أحداث آنية آنذاك، وكانت أقواله المأثورة حول الزواج والحب و المرأة والرجل هي الأشهر، وقد جمعها فيما بعد في كتاب، ولازال رواد مواقع الفيس بوك يتداولونها حتى الآن.
أثرى أنيس منصور طوال حياته الحافلة بعشرات الكتب المهمة والمؤثرة في الثقافة العربية، زاد عددها على الـ 200 كتاب، ما بين الآداب والفنون والفلسفة وأدب الرحلات، ويعتبر الباحثون والمثقفون منجز أنيس منصور مكتبة كاملة متكاملة من المعارف والعلوم والفنون والآداب والسياسة والصحافة والفلسفة والاجتماع والتاريخ والسياسة والمرأة، نجحت في تشكيل ثقافة أجيال متعاقبة.
من أشهر كتب أنيس منصور "حول العالم في 200 يوم"، "بلاد الله لخلق الله"، "غريب في بلاد غريبة"، "اليمن ذلك المجهول" "أنت في اليابان وبلاد أخرى"، "أعجب الرحلات في التاريخ"، "الذين هبطوا من السماء"، "الذين عادوا إلى السماء"، "لعنة الفراعنة"، كما تحولت العديد من أعماله إلى السينما والمسرح والدراما، ومن أبرزها مسرحية "حلمك يا شيخ علام"، "من الذي لا يحب فاطمة"، "هي وغيرها"، "عندي كلام"، وفي الترجمة قدم "منصور" الكثير، حيث نقل نحو 9 مسرحيات و 5 روايات من لغات مختلفة إلى العربية، إلى جانب ترجمته لـ 12 كتابا لعمالقة الفلاسفة الأوروبيين، كما اهتمت دور النشر العالمية بنقل كتب أنيس منصور إلى اللغات الأخرى، وخاصة الإنجليزية والإيطالية، ومن أهمها كتاب "حول العالم في 200 يوم"، الذي تمت ترجمته لما يزيد على 10 لغات.
الكاتب الراحل أنيس منصور مع طه حسين الكاتب الراحل أنيس منصور مع الرئيس السادات الكاتب الراحل أنيس منصور مع سعاد حسنى وصالح سليم الكاتب الراحل أنيس منصور فى مكتبه الكاتب الراحل أنيس منصور مع توفيق الحكيم الكاتب الراحل أنيس منصور على أغلفة المجلات