كثيرًا ما نتعرض لضغوط ومتاعب نفسية وجسدية، ومع الأخذ بالأسباب والتوجه للطبيب للعلاج هناك علاج آخر يلجأ إليه بعض الناس طلبًا للراحة والشفاء وهو التوجه إلى الله بالدعاء وقراءة آيات معينة من القرآن الكريم؛ وهذه هي الرقية الشرعية والتي تعد هديًا نبويًا وسنة فعلها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة من بعده.
نبينا والرقية
وعن الرقية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الْعَيْنُ حَقٌّ، ولو كانَ شيءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغْسِلُوا) رواه مسلم.
وقد روى الإمام البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنّ النبي - صلّى الله عليه وسلّم - كان يعوّذ بعض أهله فيمسح بيده اليمنى ويقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وأَنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا).
ومن هذا نعرف أن الرقية تكون بوضع اليد اليمنى على موضع الألم، والتسمية بالله، وطلب الشفاء منه، فقد شكا عثمان بن أبي العاص ألمًا في جسده للنبي فقال له : (ضَعْ يَدَكَ علَى الذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ، وَقُلْ باسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ).
وعن عبد الله بن عباس، أنّ النبي كان يُرقي الحسن والحسين قائلًا: (أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ).
ورُوي عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنّها قالت: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ).
ومما رواه علي بن أبي طالب أيضًا: (لدغتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عقربٌ وهو يصلِّي فلما فرغ قال لعن اللهُ العقربَ لا تدعُ مصليًا ولا غيرَه ثم دعا بماءٍ وملحٍ فجعل يمسحُ عليها ويقرأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُوْنَ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (صحيح ابن ماجه).
معاني في الرقية
وإذا تأملنا في الرقية نجدها آيات وأدعية تلفت نظرنا إلى معاني وأمور تحمينا وتحصننا طوال حياتنا مثل:
التوكّل على الله وإحسان الظنّ به، والعلم بأنّ كل ما يُصيب العبد لا يخالف القدر، مع النظر في الأسباب التي أدّت إلى ذلك، والبحث عن حلول لها بالوسائل والأساليب المشروعة، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
الاستعاذة بالله من الشيطان وأعوانه وأتباعه، ويُقصد بالاستعاذة اللجوء إلى الله من كيد الشيطان، قال تعالى: (وَإِمّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطانِ نَزغٌ فَاستَعِذ بِاللَّـهِ إِنَّهُ سَميعٌ عَليمٌ)، وأفضل ما يتعوّذ به الإنسان سورتا الفلق والناس.
الالتزام بتقوى الله وبأوامره واجتناب نواهيه؛ فالتقوى هي السبيل لحفظ الإنسان وحمايته، وبذلك يتولى الله رعاية عبده وتحصينه من كل سوءٍ، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا).
الإكثار من قراءة القرآن والحرص على ترديد الأدعية المأثورة، فقد وصف ابن القيم كلام الله بأنّه دواءٌ للمؤمن من كل داءٍ، وأنّه الحصن والدرع لصدّ أي أذى قد يعترض للإنسان، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا).
المداومة على الاستغفار من الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)، والإكثار من الأعمال الصالحة التي تدفع البلاء، مثل الصدقة والإحسان إلى الناس.
وتنقسم الرُّقية الشرعية المشروعة إلى قسمين وهما آياتٌ من القرآن الكريم وأدعية من السُّنة النبوية، وهو ما سنتعرف عليه معا لاحقا، وسواء كانت آيات أو أدعية فإن الرقية الشرعية هي دعاءٌ ووسيلةٌ لطلب الشفاء من الله سبحانه وتعالى، في أي وقت وعلى أي حال فباب الدعاء إلى الله مفتوحٌ لنا دائمًا وأبدًا.
آيات التحصين من الحسد والشياطين - مصطفى حسني