Close ad
4-10-2020 | 14:37

المكان موسكو وهى مازالت عاصمة للاتحاد السوفيتى .. استقبال حافل لسيدة الغناء أم كلثوم لحفلها الغنائى الكبير فى إطار حملتها لدعم المجهود الحربى. استقبلت على جميع المستويات كملكة متوجة تقدم أرقى نموذج لقوة مصر الناعمة، كما تقول الاستقبالات وبرامج الزيارة للمتاحف ولعروض الباليه الروسى التى أعدت لها وللوفد الاعلامى المصاحب لها والتى دعتنى لأكون واحدة منه.

تلك الليلة عشاء فاخر فى بيت السفير المصرى .. وسط حوارات ساخنة تأتى أول إنذارات الخطر القادم .. واحد من الحضور أعلن أنه فى محاوله لسماع الأخبار من إرسال القاهرة فوجىء بإذاعة متواصلة لآيات الذكر الحكيم ... لم يعد هناك إلا سؤال واحد ... أى حدث جلل تعيشه القاهرة الآن ..؟ لم يطل الانتظار الثقيل وجاء بيان ينعى للأمة رحيلا مفاجئا ومباغتا وموجعا للرئيس جمال عبدالناصر وهو فى ذروة نشاطه ومحاولته إنهاء صراعات لا تنتهى للقيادات العربية واستكمال الإعداد لمعركة النصر على العدو الصهيونى ويدير وقائع حرب الاستنزاف استعدادا للثأر من الهزيمة السياسية 1967 .

> لقد اختلفت دائما مع اعتبار ما حدث 1967 هزيمة عسكرية فكيف يهزم جيش فرضت عليه قياداته الانسحاب فى ذروة لحظات المواجهة ..؟! كانت هزيمة سياسية بكل المقاييس تمثل ذروة لأخطاء وخطايا اعترف بها الرئيس عبدالناصر فيما بعد كما جاء فى محاضر اللجنة المركزية !! وعلى أهمية الاعتراف فقد كان الجرح غائرا ومهينا ومذلا لشعب احترف صناعة النصر فى جميع معاركه ومنذ فجر تاريخه الطويل والعميق ولأمة عربية تمثل مصر قلبها النابض بالحياة، ولعدو استيطاني هو آخر استعمار مازال باقيا زرعته القوى الاستعمارية الكبرى لتوفر له السيطرة والاستيلاء على الأمة كلها، وكان الاختبار والانتصار الأول للثورة بأيدى أبناء بورسعيد فقد كان فى عدوان 1956 على القوات البرية والبحرية والجوية لجيوش انجلترا وفرنسا والكيان الصهيونى الدافع الأول لها ضرب الثورة المصرية وإعادة احتلال مصر والاستيلاء على قناة السويس! تلك الليلة ... فى أول طائرة كنا مع السيدة أم كلثوم فى القاهرة .. أحسست ان كل ما فى بلادى غارق فى حزن مصرى فرعونى ليس له مثيل .. الملايين التى رد لها بلدها واعتبارها والقدر الممكن من حقوقها الأصيلة فى الحياة تبكيه ومثل الملايين من صناع الحياة وملح الأرض من الأرصدة الشعبية الذين مثلوا الأهداف الحقيقية للثورة كان حزنى ووداعى له فى سرادق العزاء الكبير الذى كادت مصر بمدنها وأقاليمها وقراها وصعيدها تتحول إليه.

> كنت ومازلت أعرف للرئيس عبدالناصر قدره كواحد من كبار عشاق هذا الوطن بل فى المقدمة منهم .. قاد عودة مصر من غربتها وحكم غير المصريين لها وتمليك الأرض بمن فوقها لملاكها ... وحطم أصناما كثيرة ومد مظلات للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ورد الاعتبار للعامل والفلاح وسائر القوى العاملة من صناع الحياة ويستكمل نهضة صناعية بدأها الرائد طلعت حرب وحول مصر إلى محرك للقوى الثورية فى العالم وقطب من أقطاب دول عدم الانحياز واكبر أهداف المؤامرات الاستعمارية ... ظلت مشاعرى متناقضة بين التقدير والاحترام وألم لكل ما كان يستطيع أن يحققه لبلاده داخليا وخارجيا ... كيف توحشت مراكز القوى وتوغل الفسدة والفساد فيها !! صدمة 67 جعلته يعلن استقالته وانسحابه وفرضت عليه أرادة جماهيرية جارفة الاستمرار إيمانا بقدرته على إصلاح ما أفسده انحراف مشروعه القومى عن أهدافه ومساره الصحيح، واستجاب للإرادة الشعبية وعاد على أمل إصلاح ما أفسدته مراكز القوى والنفوذ وللأسف كان رصيد العمر نفد فى تلك الليلة الحزينة والثقيلة.

لقد امتلك عبدالناصر من أرصدة الرضا الشعبى والثقة الجماهيرية ما كان يتيح آفاقا بلا حدود لاستكمال مشروعه الوطنى ولبناء ديمقراطى وتحقيق ما انعقد على الثورة من آمال وتصحيح ما وقعت فيه من أخطاء .... ولا تستطيع الإنجازات العظيمة أن تغفر الأخطاء والخطايا الكبيرة ولعل من أهم دروس ما تعرض له هذا المشروع الوطنى والقومى داخليا وخارجيا ومن قوى الاستعمار القديمة والحديثة وتوابعهم وعملائهم، يؤكد اتساع آفاق الحريات المسئولة واحترام الرأى والرأى الآخر والخلاف والاتفاق على أرضية وطنية ونشر العدالة والمساواة وتغليظ عقوبات الفساد وعدم السماح لفئات أو جماعات بالتحول إلى مراكز قوى ونفوذ فى مقدمة عوامل قوة وتأمين الأوطان وتحقيق إرادة الشعوب . والحمد لله إننا نعيش هذه الأيام الذكرى السابعة والأربعين للنصر العزيز والعظيم فى حرب اكتوبر 1973 عندما اتيح للمصريين وجيشهم أن يمتلكوا بفضل الله مقومات انتصار تحدثت به الدنيا ومازالت.

> عن القنبلة التى تمثلها الزيادة السكانية والتى تتجاوز جميع نسب النمو والتنمية ومحاولات بناء عشرات المدن الجديدة مع غياب الأدوار المسئولة للوزارات والمؤسسات التى كان يجب ان تحمل مسئولية مواجهتها، والى ان نستطيع أن نحول الزيادة السكانية إلى قوة ضاربة ونوفر استحقاقاتها فى التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية والثقافية كان مقالى الأحد الماضى بعنوان القنبلة .. والمسئوليات الغائبة .. وأسعدنى فور نشر المقال وفى اليوم التالى مباشرة الإعلان عن لقاء عاجل عقده د.مصطفى مدبولى مع وزيرة الصحة ومسئول إدارة السكان التابعة للوزارة وبحضور وزير الدولة للأعلام وممثلين من مختلف المؤسسات المسئولة عن مواجهة هذه الكارثة القومية التى أعاد التنبيه إليها الرئيس فى افتتاح مجموعة من الجامعات الجديدة، كاشفا عن حجم الكارثة التى نتعامل معها دون الاهتمام الواجب بحجم خطورتها رغم كل ما تكشفه الوقائع والأرقام منذ ان عاش المصريون حول مساحة من أرضهم لا تتجاوز 4% اتسعت حتى وصلت 7% وكيف تراوح عدد السكان بين 3 و4 ملايين عاشوا على 4 ملايين فدان .. منذ نحو 200 سنه والآن أصبحنا 100 مليون يعيشون على نفس المساحة.

> تفاءلت بدعوة رئيس مجلس الوزراء فى الاجتماع الذى عقده الاثنين الماضى, لرسم سياسات على قدر خطورة التهديد والأرقام التى وصل اليها عدد السكان والمنتظر أن يصل عام 2050 إلى نحو 194 مليون نسمة !! هل من الصعب ان نسارع إلى قوانين تجرم عمالة الطفولة مع تعظيم برامج تنمية الريف والصعيد والقرى الأكثر فقرا وتحسين مستويات الحياة والخدمات وتوفير فرص العمل لإيقاف النزوح إلى العواصم الكبرى .

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: