في كل العصور.. يحلو للبعض معارضة أي إجراء تتخذه الدولة.. فحتى السد العالي الذى أنقذ مصر في السنوات الماضية من الجفاف والعطش لم يسلم من نقد المعارضين الذين شنوا هجومًا على الرئيس جمال عبدالناصر عند بدء بنائه..
عبدالناصر الذي رحل عن عالمنا يوم 28 سبتمبر منذ نصف قرن كان عاشقًا للوطن.. ومن يحب الوطن.. يحب ناسه الطيبين البسطاء.. لذلك كان حريصًا على استعراض الخطابات التي تصله من كل مكان والتي يبلغ عددها يوميًا نحو ثلاثة آلاف خطاب.. واحد من هذه الخطابات.. كتبته فتاة يتيمة اسمها «كريمة».. قالت فيه: «سلام من ابنة تشعر لأول مرة في حياتها بالفرحة.. ولتكتمل فرحتي قررت ألا أتزوج إلا بعد أن أدعو سيادتكم لحضور عقد قراني».. يوم عقد القران تسلمت كريمة باقة ورد وخطابًا من الرئيس عبدالناصر يقول لها فيه: «ابنتي العزيزة.. كان بودي الحضور لعقد قرانك المبارك.. لولا دواعي العمل التي تتطلبها رفعة وطننا العزيز.. وأنت تعلمين ذلك.. وإنني أرسل إليك خالص تمنياتي بالسعادة والتوفيق».
من يحب الوطن.. لا ينسى زملاء المعركة والسلاح الذين احتلوا في قلب عبدالناصر مكانًا دافئًا وعميقًا.. فعندما علم خلال حرب فلسطين باستشهاد الضابط «إسماعيل محيي الدين» كتب يومها: «أعترف بأنني لحظتها فقدت السيطرة على عواطفي.. وإذا بدموعي تفلت.. وإذا أنا أبكي بحرقة لم أشعر بها من قبل في حياتى.
لم ينس عبدالناصر أبدًا الوجوه التي رآها خلال هذه الحرب المريرة.. واحد من هذه الوجوه كان لسائق اسمه «عزت» وصفه عبدالناصر في مذكراته بأنه يملك قلبًا كالحديد، ولا يتردد أمام أي مهمة.. تذكره عندما رآه داخل مستشفى الجيش.. وقف بجواره يحدثه ويسأله عن حالته.. وعندما عرف أنه لا يوجد له علاج في مصر.. أمر بسفره إلى الخارج.
قبل رحيل عبدالناصر بعام سأله مندوب «نيويورك تايمز» عن حلمه الشخصي.. فقال الرئيس: «ليس لدي حلم شخصي.. قد لا يصدق الكثيرون ذلك؛ لكن هذه هي الحقيقة».. فعشاق الوطن لاحلم لهم سوى أن تحيا مصر حرة قوية.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام