فى مثل هذا المكان، منذ 4 أعوام، تقريبا، وتحديدا فى يوم الخميس الموافق 14 يناير 2016، كتبت مقالى الأسبوعى تحت عنوان أخطر وثيقة أمريكية عن مصر 2020، استعرضت خلاله، بإيجاز، ما ورد بإحدى الوثائق الأمريكية، المعدة خلال العام 2015، والمصنفة بأعلى درجات السرية، عن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لشكل القوى العالمية فى عام 2020.
قسّمت تلك الوثيقة الأمريكية، دول العالم إلى مجموعات؛ أولاها مجموعة أمريكا الجنوبية، تليها مجموعة آسيا والصين، ثم مجموعة الدول الأوروبية، دون روسيا، التى اعتبرتها الوثيقة عنصراً مستقلا، تلى ذلك مجموعة إفريقيا، دون مصر، وأخيراً، مجموعة الشرق الأوسط، والتى لم تضم مصر، أيضاً، إذ أفردت الوثيقة لمصر دراسة منفصلة. وفى حين قد أتفهم وجود دراسة منفصلة لروسيا، إلا أن تخصيص دراسة مستقلة عن مصر قد أثار انتباهى بشدة، حينها، حتى شرعت فى قراءة تلك الدراسة، فأدركت، على الفور، أسباب استقلالها بدراسة مفصلة.
إن الإدارة الأمريكية رأت أن مصر تتجه، بقوة، نحو تحويل نقاط الارتكاز فى المنطقة، وتغيير موازين قواها، وهو ما يفسر للبعض، الآن، أسباب تحسن العلاقات الثنائية بين أمريكا ومصر، خاصة بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتولى الحزب الجمهورى مقاليد الإدارة الأمريكية، بعد عدد من السنوات العجاف فى العلاقات المصرية- الأمريكية، إبان ولاية أوباما والحزب الديمقراطي، كما ظهر فى تلك الدراسة الأمريكية، لأول مرة، مصطلح جيوسياسى جديد، اعتدنا اليوم سماعه، واستخدامه، وهو مصطلح شرق المتوسط. أكدت الدراسة الأمريكية عن مصر، عدة عناصر رئيسية:
1. أنه بحلول عام 2020، ستصبح مصر من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعى فى منطقة شرق المتوسط، وهو ما ثبتت صحته بعد نحو أربع سنوات.
2. أكدت الدراسة الأمريكية أن إنتاج مصر، من الغاز الطبيعي، من حقولها الجديدة فى شرق المتوسط، سيحقق لها اكتفاءً ذاتياً فى عام 2018، مشيرةً إلى أنها ستبدأ فى تصدير الفائض من الغاز الطبيعى اعتباراً من عام 2019-2020، وهو ما حدث بالفعل بعد أربع سنوات من التقرير.
3. أفادت الدراسة بأن مصر ستنشئ خطا لتصدير الغاز الطبيعي، إلى أوروبا، عبر قبرص واليونان، كما ستتشارك الدولتان، مع مصر، فى تصدير إنتاجهما من الغاز الطبيعي، من خلال ذلك الخط، وهو ما تم تخطيطه، وجار العمل على تنفيذه حالياً.
4. ركزت الدراسة الأمريكية على نجاح الرئيس السيسى فى ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، باعتبار تلك الخطوة العامل الرئيسى لجذب الشركات العالمية لعمليات البحث والتنقيب عن الغاز فى المياه الإقليمية والاقتصادية المصرية، مضيفة أن جهود الرئيس السيسى فى توطيد العلاقات بين مصر وقبرص واليونان، وتنفيذ مناورات بحرية مشتركة، من شأنه تأمين الاستثمارات الجديدة لمصر فى منطقة شرق المتوسط.
5. وركزت الدراسة على أن جهود الرئيس السيسى لدعم قواته العسكرية، ورفع كفاءتها، خاصة القوات البحرية والجوية، إنما يعبر بالأساس عن رؤيته المستقبلية لضرورة تأمين استثمارات بلاده فى شرق المتوسط من ناحية، وفى البحر الأحمر من ناحية أخري.
6. وأخيراً، أكدت الدراسة أن جهود الإدارة المصرية، تستهدف جعل مصر مركزاً إقليمياً، ودولياً، لصناعة الغاز الطبيعي، فى منطقة شرق المتوسط، لتصبح، بذلك، أكثر الدول نفوذاً فى المنطقة، الأمر الذى من شأنه تغيير موازين القوى فى منطقة شرق المتوسط.
وبعد كل ما تحقق على مدى السنوات السابقة، منذ إعداد الدراسة، تتجه أنظار العالم، اليوم، إلى تحقق هذا البند الأخير، بنجاح مصر فى تحويل منتدى غاز شرق المتوسط، إلى منظمة دولية، مقرها القاهرة، لتصبح بمثابة منظمة أوبك جديدة، ولكن للغاز الطبيعي. تتولى هذه المنظمة الدولية الجديدة، ضمن مهامها، ضمان احترام حقوق الدول الأعضاء، بشأن مواردهم من الغاز الطبيعي، وبما يتفق مع القوانين والاتفاقات الدولية.
جدير بالذكر، أن الخطوات الأولى لإنشاء تلك المنظمة، بدأت فى القاهرة، فى عام 2019، بدعوة من مصر لكل من قبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن وفلسطين، وتحت إشراف ممثلى دول الاتحاد الأوروبي، وبإنشاء هذه المنظمة العالمية ستتحدد رؤى واستراتيجيات مستقبل صناعة الغاز الطبيعي، فى المنطقة، خاصة فيما يرتبط بتكوين شراكة مع الاتحاد الأوروبي. أما فيما يخص اختيار القاهرة مقرا للمنظمة، إنما يعكس التقدير الدولى للدور المصري، وتأكيد دورها المحورى كمركز إقليمى لتجارة وتداول الغاز والطاقة فى المنطقة، وهذا ما أشارت إليه الدراسة الأمريكية منذ 5 سنوات، من أن مصر ستصبح مركزاً للطاقة والغاز فى منطقة المتوسط، فى ظل ما تمتلكه مصر من مصانع للإسالة على ساحل البحر المتوسط فى إدكو ودمياط، التى يتم الإعداد، حالياً، لنقل الغاز الطبيعى من حقل أفروديت بقبرص، وحقول الغاز بإسرائيل، إليها، تمهيداً لإسالته وإعادة تصديره.
وهكذا، فإن الأيام المقبلة، ستشهد طفرة جديدة للاقتصاد المصري، تستهدف رفعة شأن الوطن، والمواطن، وهو ما يعمل على تحقيقه، ليلاً ونهاراً،السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، برؤيته المستقبلية، وخطواته الاستباقية، التى يرجع لها الفضل فى الحفاظ على ثروات مصر، والقدرة على الاستثمار فيها، خاصة فيما يرتبط بثروات مصر من الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط. وفى رأيى أن إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، ومقرها مصر، رسالة عظيمة، تحمل فى طياتها الكثير من المعاني، لمن يهمه الأمر، بأن مصر استعادت مكانتها الإقليمية والدولية.
نقلا عن صحيفة الأهرام