سئِل أحد حكماء بني أمية عن سبب سقوط دولتهم فقال: "أمورٌ صغار سلمناها لكبار، وأمورٌ كبار سلمناها لصغار فضعنا بين إفراطٍ وتفريط، قرّبنا العدو طمعًا في كسب وده، وبعّدنا الصديق ضامنين ولاءه، فنالنا غدر الأول وخسرنا ولاء الثاني"!!
وهكذا يعيد التاريخ نفسه مع تلك الأمة في صراعات القوى الدولية والإقليمية التي تبدو أيديولوجية في ظاهرها، بينما تفوح من باطنها روائح الغاز والنفط وأحلام الهيمنة والسيطرة من دول الجوار غير العربية (إيران وتركيا وإسرائيل)، والمشكلة أن مفهوم العروبة، لا يزال لدى القطاع الأوسع من العرب، يأخذ قيمته من الماضي أكثر كثيرًا من الحاضر.
والغريب أن مفهوم العروبة ظهر في ميدان الصراع مع الأتراك، في لحظةٍ كانت مفهوم العروبة تتعامل فيها باستعلاء وازدراء مع العرب، وهو ما يستدعي استنهاض العروبة لتصبح مشروع للمستقبل، وليس أيديولوجيات صاغها سياسيون ومفكرون وزعماء مثل ساطع الحصري، وقسطنطين زريق وميشيل عفلق، خاصة أن لدول الجوار العربي مشروعات حتى باتت المنطقة مزدحمة، ولكل من هب ودب مشروعًا، إلا العرب وبرغم عدم وجود ما يطلق عليه نظرية الأمن العربي، وغياب الرؤية وزيادة الانقسامات والتحالفات والمحاور المضادة، استمر الفضاء العربى يدور فى فراغ كبير يدمر ذاته.
وتكررت الانسحابات من مساحات إستراتيجية فى القلب وعلى الأطراف، وسمح للآخرين بالتمدد والالتفاف؛ بل كانت بعض دول المنظومة عاملا مساعدًا بالدعم اللوجستي والمادي لأدوات التخريب والدمار، وعادت الأطماع التاريخية والمذهبية والطائفية والإمبريالية؛ لأن بعض دول المنظومة العربية ظن أنه بعيد عن الخطر، وأن ما يحدث فى سوريا أو العراق أو ليبيا أو فلسطين أو الصومال أو السودان لا يمكن أن يؤثر على أمنه وقراره ومصالحه الحيوية..
وتم تفريغ الصراع العربي-الإسرائيلي من مضمونه منذ سمح العراقيون بإعدام صدام حسين في العراق، والليبيون بقتل القذافي، واليمنيون بقتل صالح، والسوريون بإسقاط دولتهم.
وسقطت فلسطين من خرائط جوجل بعد أن سمحت الشعوب بتحلل جيوشها الوطنية، وتفكيك هياكل دولتها، وإسقاط أنظمتها وليس من الصعب اكتشاف أن بلاد العرب وصلت إلى طريق مسدود؛ فقد تعرّضت لهزائم فعلية كبيرة أمام الخارج (هزيمة يونيو 1967 ثم الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، وهزيمة العراق عام 1991، والاحتلال الأمريكي للعراق 2003.
وأصبحت البلدان العربية مجتمعةً لا تشكل أي خطر على إسرائيل، وإيران موجودة في أربع عواصم عربية، فضلًا عن تغلغلها في النسيج الاجتماعي لبلدان عدة، وتركز طبيعة الدور التركي في التدخل الناعم قبل الربيع العربي ودعم الربيع العربي تحت مظلة الديمقراطية والتدخل العسكري المباشر في الدول العربية كما في العراق وسوريا وليبيا، ولولا هذا "الربيع" لما كنا الآن نتحدث عن تركيا وأردوغان بهذه الصيغة؛ لانه أصبح مؤمنا أنه حفيد السلاطين العثمانيين الذين حكموا العرب 400 سنةً، وقد انتهت هذه القرون الأربعة بـ"سايكس بيكو" ووعد بلفور.
وأخيرًا وليس آخرًا انتهت بـ"الربيع العربي" الذي استفاد منه طرف واحد هو "إسرائيل" التي حقّقت مكاسب إستراتيجية لمائة عام لم تكن تحلم بها منذ قيامها، وانفجرت الهويات الإثنية والطائفية في بلدان عدة في إثر ثورات الربيع العربي، فضلًا عن الفشل على مستوى التنمية الاقتصادية.
وهناك الشرق الأوسط الكبير هو امتداد لمشروع ما يسمى “القرن الأمريكي الجديد” الذي وضعه قادة صنع القرار في الولايات المتحدة عام 1997، ويطمح البيت الأبيض من خلاله في تحقيق حلم “الإمبراطورية الأمريكية”، بإقامة نظام عالمي يشمل تغيير خريطة الأمتين العربية والإسلامية؛ يستهدف المخطط توثيق أمريكا لعلاقاتها مع حلفائها، لتحدي الأنظمة المعادية لمصالحها، وعلى رأسها (روسيا والصين)، والتغيير السريع لجميع الأنظمة العربية والإسلامية الموالية لهما.
وكان البدء بأفغانستان والعراق وسوريا، وبالفعل سقط النظامان في كابول وبغداد، وأخيرًا مخطط برنارد لويس لتقسيم العالم العربي، وتصحيح حدود سايكس؛ بيكو ليكون متسقًا مع المصالح الصهيوأمريكية، وبرغم كل ذلك يبدو العرب غائبين عن المشهد مكتفين بدور المفعول به.
ببساطة
اللهم أجعل كل سيئ راحل وكل جميل قادم
كل انسحاب لحفظ الكرامة انتصار
خنعوا فجاعوا ثم ثاروا فضاعوا
النصيحة التي تكره سماعها هي التي تحتاجها
مؤلمة الأماني عندما تأتي في الوقت الخطأ
صحة الحكومات بخير؛ لأنها في عزلة ذاتية
فقد المصداقية يساوي الموت الإكلينيكي
مفاوضات السد الإثيوبي تحتاج الخط الأحمر
إما تغيير اسم (الشيوخ) أو أعمار المرشحين
إسداء النصيحة بات من المكروهات
حتى الشمس تترك مكانها للقمر حين رحيلها
تفاصيلنا الصغيرة المهملة شيء كبير لأعدائنا
تلعب الجامعة العربية دومًا في الوقت الضائع
أصبحت أحوالنا تصعب على إسرائيل
* نقلًا عن صحيفة الأهرام