حين يموت الإنسان يُغسل ويُكفن ويشيعه أهله وأصدقاؤه وزملاؤه وجيرانه إلى القبر، ويسمع خفق أرجلهم وهم يولون عنه عائدون إلى حياتهم وبيوتهم وأعمالهم، كل من كان حوله يتركه، ولكن يبقى معه عمله لا يفارقه، فإذا كان مؤمنًا وجد الصّلاة عند رأسه، والصّيام عن يمينه، والزكاة عن شماله، وفعل الخيرات من الصّدقة والصّلة والمعروف والإحسان إلى النّاس عند رجليه.
هل الصدقة تجوز عن الميت بعد وفاته؟
ولكن السؤال: هل الصدقة تجوز عن الميت بعد وفاته؟ وأين هي من حديث الرسول "صلى الله عليه وسلم" (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)؟
الصحيح عند أهل العلم أن الصدقة عن الميت مطلوبة ويصل إليه ثوابها -إن شاء الله تعالى- بدليل الحديث المتفق عليه: أن رجلاً أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" وقال: إن أمي افْتُلِتَتْ نفسها ولم توص، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم.
فوصول ثواب الصدقة والدعاء للميت هو من فعل غيره عنه، وذلك لم ينقطع، أما سعي الإنسان لنفسه فينقطع بموته، إلا في المسائل التي كان له جهد في تحصيلها قبل موته، فلا تعارض إذن بين وصول ثواب الصدقة والدعاء، وبين قول النبي "صلى الله عليه وسلم": إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلَّفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.
وأيضاً وصول ثواب الصدقة والدعاء للميت والحج عنه ونحوها كلها أمور ثابتة بأدلة شرعية صحيحة تدل على مشروعيتها.
والله أعلم.
هل للميت من صدقة بعد موته من قبل أهله؟ - العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله