من لنا سوى الله نناجيه وندعوه .. نقف بين يديه في خشوع وسكون .. فما ذاق وما أدرك حلاوة الإيمان من لم يمض وقتاً طويلاً في مناجاة الله سبحانه بعيدًا عن الناس.
عبادة المناجاة
هناك بالفعل عبادة تسمى عبادة المناجاة لله جل وعلا، وهي عبادة امتاز بها الله أهله وخاصته من البشر، يستطيبون معها أداء الطاعات بحب وسعادة فلا يتعبون أو يملون من أدائها بكثرة، وتحلو لهم فيها الدموع حباًّ وشوقاً لخالقهم، فنجدهم يقفون ببابه خاشعين طائعين يناجونه ويدعونه بكل الحب والإخلاص، فهي حالة لوعشناها لذقنا نعيم الجنة ونحن في الدنيا.
معاني للمناجاة
المناجاة، من الكلام سراًّ، وناجاه كلّمه سراً وخفية، وقد قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: أصلها أن تخلو بمن تناجيه بسرٍ معين في مكان مرتفع منفصل عما حوله.
وقيل: أصله من النجاة وهو أن يعاون المُناجَى المناجِي على ما فيه خلاصه وتلبية حاجته.
المناجاة والدعاء
الدعاء هو السؤال والطلب من الله ليقضي الحاجات، أما المناجاة فهي ليست طلباً بل مخاطبة الله تعالى والحديث إليه بكل الخضوع وبكل مافي قلبك وبما يعطِّف قلبه عليك ليجيب دعاءك ويقضي حاجتك، فهى حديث العبد لربه سراً بالتضرع والخضوع والتذلل، قبل أي سؤال أو طلب، وهي أعلى درجة من الدعاء.
أشهر المناجين
أشهر من ناجى ربه هو ابن عطاء الله السكندري، الفقيه المالكي والصوفي الشاذلي، وهوالملقب بـ "قطب العارفين" و"ترجمان الواصلين" و"مرشد السالكين"، كان رجلاً صالحاً عالماً يحضر ميعاده الكثيرون، وكان لوعظه تأثير في القلوب، وله ذوق ومعرفة بكلام الصوفية وآثار السلف وله موقع في النفس وجلالة بين الناس ولاتزال كتبه تدرس حتى اليوم.
مقتطفات من مناجاة ابن عطاء الله السكندري
إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي وما أرحمك بي مع قبيح فعلي.. إلهي ما أقربك مني وما أبعدني عنك .. إلهي ما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك ..
إلهي أخرجني من ذل نفسي، وطهرني من شكي وشركي .. بك أنتصر فانصرني، وعليك أتوكل فلا تكلني، وإياك أسأل فلا تخيبني، وفي فضلك أرغب فلا تحرمني، ولجنابك أنتسب فلا تبعدني، وببابك أقف فلا تطردني ..
إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري .. إلهي إن ظهرت المحاسن مني، فبفضلك ولك المنة علي وإن ظهرت المساوي مني، فبعدلك ولك الحجة علي ..
إلهي اطلبني برحمتك حتى أصل إليك .. إلهي كيف تكلني إلى نفسي وقد توكلت لي، وكيف أضام وأنت الناصر لي، أم كيف أخيب وأنت الحفي بي ..ها أنا أتوسل إليك بفقري إليك، وكيف أتوسل إليك بما هو محال أن يصل إليك .. أم كيف أشكو إليك حالي وهو لا يخفى عليك .. .. أم كيف تخيب آمالي وهي قد وفدت إليك ..
إلهي أنت الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار من قلوب أحبابك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حتى استبانت لهم المعالم ..
إلهي كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان، أنت الذاكر من قبل الذاكرين، وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب .
إلهي .. ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً.
(قل لمن يفهم عني ما أقول) معاذ زغبي
بك نستعين وأنت وحدك نعبد - مصطفى حسني وعبد الرحمن رشدي