Close ad

آيا صوفيا والمياه والعثمانية الجديدة

2-8-2020 | 12:57

شد حادث تحويل آيا صوفيا من متحف الى مسجد انتباه المسيحيين فى كل مكان، وكذلك المتنورون العارفون لقيمة العيش المشترك والتسامح بين كل الاديان. فقد كان الإجراء الذى اتخذه رجب طيب اردوغان، إرضاء للتيارات الاخوانية الارهابية، وتحديدا التقرب من جمعية شباب الأناضول الاسلامية السلفية وخروجا بنظامه من أزماته الداخلية، نموذجا صارخا لتوجهات العثمانيين قديما وحديثا، فالمكان ذاته آيا صوفيا هو رمز للثقافة العثمانية والبيزنطية وإن كان كنيسة ارثوذكسية. وفكرة تحويل دور العبادة من دين الى آخر عاشت قديما فى التاريخ الانسانى وكانت فى أوضح صورها بعد هزيمة العرب فى الاندلس وتحويل الجوامع والمعابد الى كنائس بعد طرد المسلمين واليهود كرمز لسيادة المسيحيين على البلاد. ولكنها تلاشت فى العصر الحديث مع تطور الانسانية ذاتها ورفع قيم المساواة والتعايش وقبول الآخر المختلف دينيا.ولكن يبدو ان أردوغان لا يزال يعيش فى فكر العصور الوسطى. فالعثمانيون كانوا مستعمرين لكل المنطقة العربية شأنهم شأن الفرنسيين والبريطانيين والايطاليين. لم يختلفوا عنهم كثيرا الا فى تفاصيل صغيرة حكمت تصرفاتهم بسبب طبيعتهم الاجتماعية. فالفرنسيون والبريطانيون كانوا مستعمرى الرأسمالية الصاعدة فى مرحلة تصدير الرأسمال سعيا الى السيادة لنشر نموذجها الاجتماعى والاستفادة مما تملكه المستعمرات من خيرات وخامات تعود على نموها أى فرنسا وبريطانيا بالازدهار الرأسمالي. اما الامبراطورية العثمانية فمثلت عسكرية الاقطاع الذى لم يمتلك الا اساليب النهب والقتل وسرقة الاصول الحضارية للمستعمرات وشعوبها. ولا يمكن ان تنسى الشعوب، ومنها الشعب المصري، حالة العنف الدموى الذى مارسه العثمانيون ولا الغطرسة والتكبر الذين كان الاتراك العاديون يتعاملون بها مع كافة الشعوب الموجودين تحت سيطرة دولتهم. فعبارة فلاح ابن فلاح كانت دائما على لسانهم كلما أرادوا إهانة انسان مصرى بالرغم من اعتزازنا الآن بانتمائنا لطبقة الفلاحين. وكأن الانتماء إلى طبقة الفلاحين يعنى الانحطاط الاجتماعى الذى لا ينعدل الا بالضرب بالكرباج. فالمصريون كانوا بالنسبة للعثمانيين الخدم الذين لا نفع منهم الا الخراج الذى يجمع قسرا وبشدة للإرسال الى عاصمة الخلافة التى غلفت حقيقتها بـ الاسلامية لتخفى حقيقتها الاستعمارية المستنزفة لمقدرات ولخيرات الشعوب. فالحقيقة تؤكد ان فترة الاستعمار العثمانى للمنطقة العربية كانت فترة الانحطاط العام الذى وسع مساحة اللاتحضر بين العرب والبلدان الاوروبية وحرمها من كل عناصر التقدم لتجنب هذا الانحطاط، كما ان هذه الفترة عوقت النمو الذاتى للبلدان العربية بحيث كان التراجع العام هو السمة الاساسية لها.


كما أن العنصرية مكون اصيل من ثقافتهم فى تعاملهم مع الغير سواء كان مصريا او كرديا او سوريا أو ارمنيا. فأبناء المستعمرات كانوا خدما لسادتهم العثمانيين المستعمرين. وفى تاريخهم الاستعمارى الطويل لم يتركوا أثرا يميز عصرهم، لأنهم لم يتعودوا بطبيعتهم التى تشكلت طوال فترة استعمارهم للمنطقة العربية بالتحديد على العطاء. وإنما مارسوا سياسة نهب وسرقة تراث الآخرين. كان تاريخ العثمانيين تاريخا اسود بالنسبة للتاريخ المصرى فى مرحلته الوسطى التى سبقت بدايات العصر الحديث. استمرت مصر متخلفة لا علاقة لها بأى من الانجازات الحديثة فى اوروبا. استمرت مصر بلدا زراعيا متخلفا تحكمه علاقات السخرة وتعمل فى نشاطه الحرف الصناعية التى تخنقها الاستنزافات المالية التى تسهم فى تكوين الخراج للمستعمر العثماني. كما انها الحرف التى استطاع سليم الاول عند دخوله مصر ان يسلخ عنها ثلاثة آلاف من خيرة صناعها وحرفييها ونقلهم إلى انقرة واسطنبول ليتحولوا الى دعامة النهضة العمرانية فى بلاد الاتراك.


كان الأوروبيون يطلقون على الامبراطورية العثمانية على طول القرن التاسع عشر رجل اوروبا المريض الذى لا يقوى على مواجهة أزماته الداخلية والخارجية فى عالم يمر بتغيرات تسعى الى تشكيل الخريطة الاستعمارية. وفى الداخل التركى كانت التغييرات السياسية تتشكل لتوجد تركيا جديدة فى المنطقة. وكان المجتمع التركى يموج بالحركات التى تعى المأزق التركى وتحاول الخروج منه بصيغ كانت جديدة على الشعوب. وكانت اهم الحركات هى جمعية الاتحاد والترقى ثم حركة الاتراك الجدد. وكان مصطفى على رضا، مصطفى كمال اتاتورك, عضوا فى الاولى وعلى اتصال بالثانية. عزل هذا الحراك السلطان عبد الحميد وفى عام 1922 سقطت الخلافة وفى 1923 اعلنت الجمهورية. وكان احد التغييرات المهمة التى ادخلها مصطفى اتاتورك هى انه عزل تركيا الجديدة عن بلاد الشرق المتخلفة والحقها بأوروبا هكذا قال. فألغى العمل بالشريعة وبالحروف العربية واستخدم الحروف اللاتينية وأغلق المدارس الدينية وتدخل فى ملبس الاتراك بحيث باتوا وكأنهم دولة اوروبية. المهم ان تركيا انفصلت عن تلك البلدان المتخلفة العربية والاسلامية التى من وجهة نظر اتاتورك كانت السبب فى تخلفها. والآن، نظرة على البلدان العربية توضح الأطماع العثمانية القديمة التى عبر عنها اردوغان بشرحه أن حدود تركيا هى الحدود الروحية العثمانية القديمة. فهو ضد الدولة الوطنية العربية.

استغل حالة اللا استقرار فى العراق فأقام السدود على منابع نهر الفرات بحيث لم يعد يصل العراق وسوريا الا 30% من نصيبيهما من المياه مما يلقى الشبهات على ما تقوم به اثيوبيا بالنسبة لمياه النيل والاصابع التركية. واستمر يساند الحركات المسلحة المعادية للنظام السورى حتى بات إعادة الدولة السورية الموحدة عملا صعبا للغاية. وفى ليبيا لم يعد الجسر التركى الذى ينقل الميليشيات الى الغرب الليبى خافيا. فهو فى النهاية جسرا يثير القلق للشرق الليبى فحسب وإنما يشكل تهديدا لمصر الدولة. وحتى تونس لم تنج من مؤامراته وباتت الدولة التونسية مهددة. إنها العثمانية فى ثوب اردوغانى تسعى لإعادة السيطرة على المنطقة.

اقرأ أيضًا:
القرية المصرية

عشنا زمانا ونحن نتابع سياسيينا يتحدثون عن ازالة الفوارق بين القرية والمدينة. كما عشنا وتابعنا اعدادا من المثقفين المصريين الذين سافروا للدراسة فى الخارج

الريف المصري في مشروع قومي

استمرت الحكومات المصرية منذ زمن طويل تقدم لنا برنامج إدخال مياه الشرب النظيفة الى الريف المصرى كأحد مشاريعها الكبرى. اتذكر عام 1950 العام الذى شهد آخر

الدولة والهوية المصرية

تحدث الرئيس السيسي في الندوة التثقيفية الـ32 للقوات المسلحة عن أهمية الحفاظ على الدولة المصرية التي تفرض حمايتها علينا جميعًا من أي تدخل قد يصيبها من العدو

الاحتياج لنمو دور المجتمع المدني

ربما تكون المرة الأولى التى يقف فيها الشعب المصرى موحدا أمام قضية داخلية تفرض عليه من جانب غير عسكري. وعندما نشير الى وحدة الشعب المصرى فإننا نعنى جميع

دارين خليل وأخواتها

في المسيرة المصرية الحديثة احتلت قضية المرأة جانبا ملحوظا فيها. فبدءا من النهضة الاقتصادية المصرية التي غرسها الوالي محمد على استمرت قضية المرأة تظهر وتخبو

المسلسل الذي تابعته طوال الشهر الكريم

تعرفت على الصحفي صالح مرسي عام 1956، كان صديقًا لزوجي، وبالتالي ارتبطت عائلتانا بصداقة، دعمتها فيما بعد عضويتنا في التنظيم الطليعي؛ التنظيم السياسي لعبدالناصر.

"نقفل الشباك واللا نفتحه؟!"

أستعير هذا العنوان من عبارة وردت في إحدى مسرحيات الراحل لطفي الخولي في ستينيات القرن الماضي ولاقت استحسانا جماهيريا واسعا، والعبارة كانت "أقفل الشباك واللا أفتحه؟!".