Close ad

كليات وأقسام الإعلام تخرج أعدادا كبيرة غير مؤهلة

28-7-2020 | 01:03

في الأسبوع الماضي بدأنا الحديث عن الخطوات التي يجب أن نسلكها ليكون عندنا إعلام مصري حقيقي يحقق طموحاتنا ويستعيد ريادتنا الإعلامية في المنطقة في ظل التحديات المختلفة التي يعانيها الإعلام المصري، وفى مقدمة هذه التحديات تدهور المهنية وغياب العنصر البشرى المؤهل والمدرب جيدًا ليواكب التطورات التكنولوجية الحديثة، والمؤمن بدور الإعلام المهم والمحوري لبناء الحاضر وصُنع المستقبل، خاصة أن الإعلام يعد أحد أهم عناصر بناء الوعي والإدراك لدى المواطنين.

يشير الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ مرسى عطا الله في تعليقه على مقالي السابق بقوله: "الإعلام فى أزمة سببها عدم وجود محددات لشروط الممارسة بعد أن أصبح الإعلام بكل فروعه مهنة من لا مهنة له.. والأمر ينطبق على خريجى كليات الإعلام؛ لأن الإبداع موهبة قبل أن يكون شهادة تخرج".

وهذه شهادة حق من خبير ليس فقط في الكتابة والإدارة الصحفية، ولكن في إعداد وتعليم وتخريج أجيال عديدة من الصحفيين الذين أصبح بعضهم رؤساء تحرير للعديد من الصحف القومية.

نعم أصبح الإعلام للأسف مهنة من لا مهنة له، ولهذا وجب علينا أن نبحث في أسباب التدهور، وخاصة العنصر البشرى، وقبل أن نتناول واقع الدراسات الإعلامية عندنا لابد من الإشارة إلى أن نشأة الدراسات الإعلامية الجامعية فى مصر ترجع إلى عام 1939 حينما أُنشئ "معهد الصحافة العالى" الذى عُرف فيما بعد باسم "معهد التحرير والترجمة والصحافة" بكلية الآداب جامعة القاهرة، ويعود الفضل فى إنشاء المعهد إلى الأستاذ الدكتور محمود عزمى والأستاذ الدكتور طه حسين، وكان المعهد يمنح دبلومًا عاليًا معادلًا لدرجة الماجستير.

وفى عام 1954 تحول المعهد إلى قسم للتحرير والترجمة والصحافة بكلية الآداب، يمنح درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه، وتولى رئاسته الأستاذ الدكتور عبداللطيف حمزة.

وفي 19 ديسمبر 1969 وافق مجلس جامعة القاهرة على تحويل القسم التابع لكلية الآداب إلى معهد مستقل للإعلام، بدأت الدراسة فيه فى مارس 1971، لطلاب الدراسات العليا.. وفى أكتوبر من نفس العام لطلاب البكالوريوس.

وفى عام 1974 تحول معهد الإعلام إلى كلية للإعلام لتكون أول كلية مستقلة للإعلام فى الشرق الأوسط، تضم 3 أقسام علمية هى: الصحافة والنشر، والإذاعة والتليفزيون، والعلاقات العامة والإعلان.

ويؤكد الوضع الأزمة الذى وصلت إليه حال الدراسات الإعلامية تلك الدعوات والحملات التي أطلقها صحفيون وإعلاميون على السوشيال ميديا موجهة للأجيال الجديدة لتجنب دخول كليات الإعلام متذرعين بمبررات واقعية، منها الظروف المعيشية الصعبة للعاملين في المجال الإعلامي، وضعف مستوى خريجى الإعلام وأن القليل منهم مؤهلون للعمل الإعلامى.

آخر إحصاء لوزارة التعليم العالى (2018) يوضح أن هناك 4137 طالبا وطالبة يدرسون الإعلام على مستوى الجمهورية، بخلاف الطلاب المقيدين بأقسام الإعلام التابعة لكليات الآداب بالجامعات المختلفة، ومعاهد الإعلام الخاصة وأيضا كليات التربية النوعية المنتشرة في أنحاء البلاد وبكثافة، حتى أن محافظة واحدة وهى الدقهلية على سبيل المثال، يوجد بها قسم إعلام في جامعة المنصورة وقسم آخر في فرع دمياط، إضافة إلى ما لا يقل عن ثلاثة أقسام أخرى للإعلام التربوى في ميت غمر ومنية النصر والمنصورة، مما يرفع الرقم كثيراً ويجعله يقترب من ثمانية آلاف خريج إعلام سنويًا على الأقل!!

وقبل أن نتحدث عن المناهج التي يدرسها هؤلاء الخريجون، ومدى مواكبتها للتكنولوجيا الحديثة، واحتياجات العصر، لابد أن نسأل أولاً هل سوق الإعلام المصرى بوضعه الراهن قادر على استيعاب هذه الأعداد على الأقل فى الفترة الحالية وسط العديد من الظواهر التى تقلل من عدد الفرص المتاحة للخريجين؟ بالطبع لا بدون مبالغة.

وما يجعلنا نجزم بذلك ما نعيشه في واقعنا العملي من تراجع توزيع الصحف المطبوعة وتوقف بعضها الآخر عن النشر، وكذلك تراجع التوزيع مما يشير إلى إمكان توقف المزيد من الصحف والمواقع الإخبارية الصحفية العاملة فى مصر.

حتى في المستقبل لا يمكن استيعاب هذه الأعداد من الخريجين لأسباب مرتبطة بما يطرحه البعض حول دمج بعض الصحف القومية فى إطار شركة مساهمة واحدة لعلاج الآثار الناتجة عن تراكم مديونيات هذه الصحف، والأمر ينطبق على العديد من الصحف الخاصة التي تعاني أزمات مالية متتالية تهدد بوصول عدوى الدمج إليها، فكل هذه الظواهر تقول إن الفرص المتاحة لهذا الكم الكبير من خريجى كليات وأقسام الإعلام أصبحت محدودة، وبالتالى لابد أن تعيد هذه الكليات والأقسام النظر فى سياسات القبول بها، خاصة على مستوى أعداد من يتم قبولهم كل عام، إضافة إلى ضرورة مراعاة التحولات التى يشهدها سوق الإعلام، خاصة التكنولوجية.

كما أنه لا يوجد تناسب بين عدد الخريجين واحتياجات سوق العمل، فكل الإحصاءات تؤكد أن عدد الخريجين من قطاع الدراسات الإعلامية أكثر من الاحتياجات المطلوبة ونوعية الخريجين بعد فترة لن تتناسب مع سوق العمل، وبالتالى نحن في حاجة لرؤية جديدة لعمل هذه الكليات من حيث كم الملتحقين ونوعية ما يقومون بدراسته والتدريب عليه.

وهكذا فإن عدد طلاب الإعلام كبير للغاية، خاصة أن سوق العمل فى الإعلام شبه مغلقة لأن المؤسسات الصحفية القومية لا تعين أحدا بسبب المشاكل الاقتصادية وكذلك الصحف الخاصة التى بدأت تستغنى عن بعض المحررين، وكذا مبنى الإذاعة والتليفزيون مغلق أمام أي خبرات جديدة والقنوات الخاصة تستغنى عن العاملين بها.

وبغض النظر عن عدد الطلاب الذين يدرسون الإعلام وتسابق الجامعات الحكومية والخاصة في إنشاء كليات إعلام لمجرد المباهاة والتنافس وسعيا وراء الربح والمكاسب المادية، هل يدرس الطلاب في هذه الكليات ما يؤهلهم بالفعل ليكونوا إعلاميين حقيقيين؟ هذا ما نجيب عنه الأسبوع القادم بإذن الله

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
بدون الخبير والأكاديمي سينهار إعلامنا!!

فى تطوير الدراسات الإعلامية تأتى المناهج أو المقررات الدراسية فى المقدمة، والمناهج مرتبطة بلوائح الدراسة فى كليات وأقسام الإعلام، وقد أجمعت آراء كبار أساتذة

إعلامنا والحاجة إلى فكر واع وإرادة فاعلة

مازلنا نسير على طريق البحث عن إعلام مصري حقيقى يسهم بفعالية في خطط التنمية. في إشارة إلى سلسلة مقالاتى عن الإعلام، قال د. أسامة الغزالى حرب: "على بوابة

كلمتي لوجه الله ومن أجل إعلام أفضل

من واقع خبرتي العلمية والعملية وجمعي بين العمل الإعلامي والعمل الأكاديمي أقول شهادتي لوجه الله سبحانه وتعالى، وسعيًا لمزيد من التطور والرقى للمهنة والرسالة

الخبراء يطالبون برؤية جديدة لكليات الإعلام

الخبراء يطالبون برؤية جديدة لكليات الإعلام

نحو إعلام مصري حقيقي

كثيرا ما تحدثنا وتحدث الكثيرون عن أهمية الإعلام ودوره المحوري والهام فى بناء جسور الثقة المتبادلة بين الشعوب والحكومات، ودوره في عمليات التنمية وإحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي المنشود.

"أمل" الإمارات .. وجشع المستشفيات الخاصة

تعرضت الأسبوع الماضي لأزمة صحية مفاجئة تؤكد أهمية وضرورة رقابة وزارة الصحة المصرية على المستشفيات الخاصة، وأهمية أن يكون هناك جهة مسئولة عن تنفيذ توجيهات

حق وليست مِنة!!

في الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن أهمية الإعلام الحقيقي والموضوعي في إقامة جسور الثقة بين الشعب وقيادته، وأهمية هذا الدور في جعل إنجازات تلك القيادة الرشيدة

الإعلام وجسور الثقة بين الشعب وقيادته

الإعلام الحقيقي والموضوعي هو الإعلام الذي يرى بعين الجماهير ويتحدث بلسانها، ويعبر عن طموحاتهم، ويجسد آمالهم وتطلعاتهم نحو المستقبل، وفى ذات الوقت الذى

ضرورات التعايش مع "كورونا"

بعد الاتجاه لعودة الحياة إلى طبيعتها، ليس في مصر وحدها وإنما في غالبية دول العالم بعد فترة الحظر والإجراءات الاحترازية إثر جائحة كورونا، أصبح من الضروري

عندما هدد ثروت أباظة بالاستقالة من "الأهرام"

خلال رحلة عملي في جريدة "الأهرام" التي بدأت عام 1976، تعلمت وعملت مع مجموعة من كبار المفكرين فى مصر، ورواد مهنة القلم، تأثرت بهم وتعلمت منهم خلال العديد

دراما الغابة!!

بعيداً عن مسلسل "الاختيار" الذى قدم لنا نموذج التضحية والفداء والعطاء لمصر، ممثلاً في بطولة العقيد أركان حرب "أحمد منسي"، وبعض المسلسلات الكوميدية والرومانسية

"الاختيار" .. وقيم الولاء والانتماء

يقول الله سبحانه وتعالى في الآية 3 من سورة "يوسف": ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ