الاتجاهات الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية في ست سنوات

16-7-2020 | 19:08

للمرة الأولي في التاريخ، نجد أن الاتجاهات والدوائر الرئيسية الأربع للأمن القومي المصري باتت تواجه تحديات، ومخاطر، وتهديدات، تنذر بالعديد من الأزمات، كان يمكن لأيها، خلال الفترة الماضية، أن تتطور وفقًا لتقديرات مختلفة إلى حد الوصول إلى المواجهات العسكرية، ولكن الدولة المصرية أدارت تعقيدات وتشابكات هذه الأزمات برشادة وعقلانية، تحسب لها، مؤكدة أنها بهذه الإدارة رسالة سلام للعالم.

حرصت مصر على تأكيد ذلك الأمر في الثوابت التي أعلنت عنها كركائز لسياستها الخارجية، منذ أن تقلد فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي منصبه قبل ست سنوات، وأعلن عن معظمها في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر 2014، وحدد خلاله مجموعة من المبادئ المصرية تجاه العديد من الأوضاع الداخلية والأزمات الإقليمية، ومواقف الدول الكبرى، والمنظمات الدولية المطلوبة، من أجل التوصل لتسويتها سلميًا.

وقد ترجمت مصر ذلك عمليًا بأدوات وجهود دبلوماسية مختلفة، في إطار سعي مصر الدائم لتحقيق السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، بما يكفل توفير حق أصيل للشعوب في دول العالم الأقل نموًا في التنمية البشرية المستدامة العادلة.

اتجاهات راسخة رشيدة وعقلانية:

ونجد أن هذه الأدوات والجهود الدبلوماسية قد تعددت وفقًا لطبيعة كل أزمة ومكوناتها، ولكنها اعتمدت على إدارة هذه الأزمات وفقًا لمنظور يتسم برشادة وعقلانية القرار الذي تتم صناعته في وزارة الخارجية المصرية - التي تعد من أعرق وزارات الخارجية في العالم - وذلك بالتعاون مع المؤسسات المعلوماتية المعنية بإدارة هذه الملفات الشائكة المعنية بالأمن القومي المصري بمفهومه الشامل، بحيث تتعدد البدائل التي تراعي المصلحة الوطنية، والقومية، والإقليمية، والدولية أمام متخذ القرار لتحديد القرار النهائي، ليأتي قراره منسجما مع هذه الثوابت.

وقد مكن ذلك الأمر الدولة المصرية من استعادة مساحات الدور والتأثير المطلوبين في قضايا إقليمية ودولية، بات العالم يعتمد على مصر كثيرًا في معالجتها، والاستماع بدقة لما تطرحه الإدارة المصرية من رؤى وتقديرات لمسارات تطورها المختلفة، وقد شكل ما طرحه الرئيس السيسي من مبادئ، وما تم تنفيذه على الأرض، اتجاهات حاكمة في السياسة الخارجية المصرية، تقوم على:

1- استقلال القرار السياسي المعبر عن الإرادة الوطنية والمصلحة القومية المصرية، والذي لن تقبل فيه الدولة المصرية بأي تدخلات تخل بالسيادة الوطنية، أو تؤثر في تحقيق الأهداف الوطنية حماية لهذه المصلحة.

2- القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع العربي - الإسرائيلي، وحل الدولتين مع إعلان القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، هو الحل المقبول، وأساس أي تسوية مستقبلية.

3- تدير مصر علاقتها بالخارج وفقًا لمبادئ الشراكة والعلاقات المتوازنة، وليس التبعية، مع الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية، والانفتاح والتوازن مع الجميع، وتبادل المصالح والآراء والاحترام لكل الجهود الداعمة للوصول إلى تسوية سلمية للقضايا محل الخلاف السياسي أو الصراع العسكري.

4- دعم قضايا السلم والأمن الإقليميين والعالميين، وفقًا لقواعد القانون الدولي، والقرارات الصادرة عن الجمعية العامة، ومجلس الأمن للأمم المتحدة، واحترام جميع الاتفاقيات الموقعة في ذلك، على مختلف الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بما يراعي خصوصية المجتمعات التي تختلف درجات نموها وارتقائها في أي منها.

5- دعم هوية الدولة الوطنية، ومنع انهيار مؤسساتها وسلطاتها المختلفة، حتى لا تدخل في دائرة الدول الفاشلة، مع احترام حق هذه الشعوب في التوصل إلى تسوية سياسية سلمية لأزماتها، وحقها الأصيل في تقرير مصيرها وشكل نظام الحكم بها، أيا كان شكل المؤسسات القائمة على إدارة المراحل الانتقالية، أو الأشخاص الذين يختارونهم عبر آليات وقواعد استحقاقية مختلفة تراعي طبيعة هذه المجتمعات.

6- محورية العلاقات المصرية - الإفريقية، وحتمية العمل على تنمية قدرات وإمكانيات دول القارة، وفقًا لقواعد العدالة الدولية، بما يعطي لسكان القارة

حقهم الكامل في التنمية البشرية المستدامة بأبعادها المختلفة، مع حتمية توفير الآليات اللازمة لمواجهة تحديات حقيقية تحول دون أن تتبوأ دول القارة المكانة التي تستحقها، مثل قضايا الفساد، والصحة، والتعليم، والهجرة غير المنظمة قانونيًا، بالإضافة إلى القضاء على الصراعات العسكرية بين دول القارة وفقًا للآليات والاتفاقيات القانونية، والقرارات الصادرة من الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي بشأنها، مع إحداث التطوير اللازم لعمليات إدارة الإنذار المبكر لتفادي الوصول للصراع العسكري، أو حفظ السلام بآليات عادلة تضمن تحقيق السلام الدائم بين شعوب ودول القارة.

7- مصر لا تتبنى التدخل في شئون الدول الأخرى، وتتصدى بقوة لأي اتجاهات مضادة لمفهوم السيادة الوطنية الكاملة، كما أنها في الوقت نفسه ترفض محاولة أي دولة العبث بمقدرات الدولة المصرية أو الدول في محيطها الإستراتيجي بما يهدد استقرار ركائز أمنها القومي، عبر التدخل المباشر أو غير المباشر لتغيير خريطة القوى المجتمعية، أو فرض أشكال من نظم الحكم، ثبت بالتجربة العملية أنها تقوض مكونات أي دولة تم التدخل بها؛ لأن هذا التدخل غالبًا ما يميل إلى توظيف التنظيمات الإرهابية، والميليشيات الإجرامية، بغية تحقيق مصالح الأطراف المتدخلة بالوكالة نيابة عن قوى أخرى.

8- مكافحة الإرهاب والتصدي للدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية، والجريمة المنظمة، والتي توفر الدعم اللوجيستي والمادي، والملاذ الآمن لأعضائها، وقد تمكنت الدولة المصرية، عبر هذه الاتجاهات الحاكمة لسياساتها الخارجية، أن تحقق النجاح تلو الآخر في جميع الملفات التي يمكن أن تمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، سواء في الأزمة السورية، أو الليبية، أو اليمنية، أو ملف سد النهضة.

كما أنها وبفضل هذه التوجهات، نجحت في العودة إلى عمقها الإفريقي، وحظيت، من خلال تمسكها بخطاب رشيد في الزيارات المتعددة للرئيس السيسي في فترة ولايته الأولى لدول القارة، بالقدرة على تبديد العديد من المخاوف التي كانت قد تأسست في مراحل سابقة، وأن تصحح كثيرًا من المفاهيم والصور المغلوطة عن الأحداث السياسية الداخلية في مصر، أو التوجهات الحاكمة للاقتراب المصري من دول القارة، والذي أصبح قائمًا على التعاون البناء، وتحقيق المصلحة المشتركة لكل دول القارة من أجل تنمية حقيقية للمواطن الإفريقي.

أعاد ذلك الأمر مصر بقوة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد أن كانت مهددة بإيقاف عضويتها به، ومنه إلى ترشيحها مع السنغال لعضوية مجلس الأمن غير الدائمة كممثلين للقارة الإفريقية عامي 2016-2017 وبفضل الأداء المصري في مجلس الأمن، الذي تبني القضايا الإفريقية بصورة فعالة وجادة، تبوأت مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي عام 2019، لتنفذ أكبر عملية هيكلة لمؤسسات الاتحاد، وطرحت خلال هذا العام العديد من المبادرات لتفعيل التعاون الإفريقي على الأصعدة كافة، ومواجهة تحديات بناء الإنسان الإفريقي، وإنهاء الصراعات بالقارة.

تحديات ومخاطر في إقليم مضطرب:

إلا أن مصر، وخلال الأشهر الستة الأولي من عام 2020، وكما يقول د. سمير فرج، وجدت أن الاتجاهات الإستراتيجية الأربعة باتت مصدرا لتهديد أمنها القومي، فالاتجاه الشمالي الشرقي لا يزال يهدد أمن مصر، بسبب محاولات التنظيمات الإرهابية النفاذ منه، بعد أن أحكم الجيش المصري سيطرته بفضل العملية الشاملة، سيناء 2018، التي حدت كثيرا من قدرة هذه التنظيمات على النفاذ أو تنفيذ عمليات، كما أن عدم التوصل لاتفاق سلام دائم، وعادل، وشامل بين أطراف الصراع العربي - الإسرائيلي يشكل مفرخة لتجنيد المزيد من العناصر للتنظيمات الإرهابية.

أما الاتجاه الإستراتيجي الغربي، فإن تدخل تركيا ودعمها لميليشيات فايز السراج في طرابلس، ضد الجيش الوطني الليبي، بعد توقيعها لاتفاقيات أمنية وبحرية غير قانونية معه، قلب موازين الصراع الداخلي في ليبيا، وأصبح يشكل تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي.

أما الاتجاه الإستراتيجي الشمالي، فصار أكثر الاتجاهات تهديدًا، بعد اكتشافات الغاز الطبيعي، وأصبح لزامًا على مصر تأمين ثرواتها، واستثماراتها، في المنطقة، بقوات عسكرية حديثة ومتطورة تتناسب وحجم التهديد، للتصدي للأطماع الخارجية، والتي يأتي على رأسها المطامع التركية، وعقد تحالفات بين قوي إقليمية ودولية، قد يمسها الضرر، حال تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة، لاسيما بعد تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، ومقره القاهرة.

ومن ناحية الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي، فإن بناء سد النهضة، ومماطلة إثيوبيا في الاتفاق على حل عادل يضمن الحفاظ على حصتي مصر والسودان في مياه نهر النيل، بالإضافة إلى سيطرة الحوثيين، المدعومين من إيران، على منطقة مضيق باب المندب، المدخل الرئيسي لقناة السويس، وما يمثله من تهديد لسلامة الملاحة فيها، كل ذلك يمثل تهديدا مباشرا لأمن مصر القومي.

يحدث ذلك في ظل متغيرات دولية فرضت على جميع دول العالم، ومنظماته الدولية والإقليمية، تحديات، من المتوقع أن تؤدي إلى إحداث تغيرات بينية وبنيوية في طبيعة النظام الدولي الذي يرتكز على العولمة، والأحادية القطبية للولايات المتحدة الأمريكية، سواء من خلال موت العولمة كلية، أو من خلال مراجعة العولمة القائمة لجوانب القصور الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، وحتى السياسية التي غابت عنها معايير العدالة الإنسانية، أو من خلال نشأة عولمة مختلفة من قوى صاعدة في العالم تسمح بتعدد الأقطاب، بما يراعي الخصوصيات المجتمعية والثقافية لشعوب العالم، بحيث لا تكون كلها وفقا لتنميط موحد في القالب الأمريكي، وذلك كنتيجة حتمية للآثار المتوقعة لانتشار جائحة كورونا، التي عصفت بالعديد من الثوابت التي أقرتها العولمة، في جميع أشكال مكوناتها الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والطبية، دفع ذلك الأمر بالعديد من المنتمين لمدارس العلاقات الدولية، على المستوى الأكاديمي، لتبني وجهات النظر المختلفة السابقة حول مستقبل العولمة، وفقا للأطر النظرية التي ينتمي إليها كل منهم.

تركيا الأردوغانية وصناعة الأزمات الإقليمية:

وسط هذه الأزمة العالمية الكبرى، تصطدم الدول العربية مجددا بالمشروع التركي الذي اصطلح على تسميته "العثمانية الجديدة"، في إشارة إلى نياته التوسعية، والرغبة في السيطرة على ثروات الشعوب، وهو في طريقه لتحقيق ذلك، نجده يتمادى في دعم الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، بل وتقوم قوات الجيش التركي كثيرا - كما في الحالتين السورية والليبية - بالوجود المباشر والقتال جنبًا إلى جنب معها في مواجهة الجيوش الوطنية العربية.

وهو مشروع يمكن لنا أن نصفه بصناعة الأزمات والاضطراب في الإقليم، بل إنه بالتحديد يمثل "صناعة الدمار"، وتتبلور أركانه في: ترويع الآمنين، وتهديد بنية الدولة الوطنية، واستهداف مؤسساتها، ونهب ثرواتها، ومناصرة الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، بتقديم الدعم اللوجيستي والمادي، والتدخل المباشر عبر الجيش التركي بصورة لا تقيم وزنا للسيادة الوطنية للدول المستهدفة، وذلك بهدف تقسيم تلك الدول، بما يحقق لتركيا نفوذا على الأرض يسمح لها بتغيير موازين ومعادلات القوة، وبما يهدد السلم والأمن في الإقليم.

وفي الفترة الأخيرة، مثل التدخل التركي المباشر في ليبيا تهديدًا حقيقيًا لأمن المواطن الليبي، وحقه في تقرير مصيره، والحفاظ على ثرواته، عبر نقل الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية من سوريا إلى ليبيا، والاستمرار في دعم الميليشيات والكتائب المسلحة منذ تفجر الأزمة في الداخل الليبي، وذلك عن طريق توفير الأسلحة المختلفة لها، أو من خلال وجود مباشر للقوات التركية على مسرح العمليات الليبية.

يعني ذلك الأمر أن تركيا تراهن على الحل العسكري كآلية لتسوية الأزمة الليبية، ولتحقيق مصالحها وأهدافها الاقتصادية، من خلال الاتفاقين الأمني والاقتصادي غير الشرعيين قانونا مع حكومة السراج، وهو ما يتناقض كلية مع جميع قرارات الشرعية الدولية، التي تؤكد حتمية الحل السياسي كآلية لتسوية الأزمة، والذي حرصت على تحقيقه جميع جهود الدول المعنية بالملف الليبي، منذ التوصل إلى اتفاق الصخيرات، مرورا بجميع الجهود الإقليمية والدولية، سواء في روما، أو أبوظبي، أو باريس، من أجل الدفع نحو المزيد من التفاهمات، ثم مؤتمر برلين (يناير 2020) الذي أعقب جهودًا روسية لتوقيع قرار لوقف إطلاق النار بين طرفي الأزمة في الداخل الليبي في الشهر ذاته.

وأدى هذا التدخل التركي السافر والمخالف لجميع قواعد القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وقراراتها في هذا الشأن، إلى تغيرات حقيقية على الأرض، فبعد أن كانت قوات الجيش الوطني الليبي تسيطر على ما يقرب من 90٪ من الأراضي الليبية، اضطرت إلى التراجع، وإعادة التمركز في المنطقة الشرقية، مع استمرار سيطرتها على منطقة الهلال النفطي.

لم تكتف القوات التركية، والميليشيات الإجرامية، والتنظيمات الإرهابية المتعاونة معها بذلك، بل تعهدت تركيا بمزيد من الدعم لميليشيات حكومة السراج، لاستمرار التقدم والسيطرة على المزيد من الأراضي، بما يحقق المصالح التركية في الوصول إلى النفط الليبي، وبما يشكل على أرض الواقع تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري، حيث ستصبح الميليشيات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية على مسافة قريبة جدا من الحدود المصرية (1200كم)، حال التمكن من السيطرة على مدينة سرت، معقل الجيش الوطني الليبي، والتي تتوافر بها أكبر مخازن السلاح الليبي، ومن ثم سهولة السيطرة والوصول لآبار النفط.

مصر والتمسك بثوابت صناعة السلام:

هنا، عادت مصر للتوجه الرئيسي في سياستها الخارجية، والمعني بتحقيق السلم والأمن الإقليميين، والحفاظ على حدود الدولة الوطنية، وعدم تقسيمها أو تفتيتها، والحفاظ على مؤسساتها وجيشها الوطني، حيث صدر في القاهرة في السادس من يونيو 2019 "إعلان القاهرة" كخارطة طريق لحل الأزمة، ووقف نزيف الحرب، وتجنيب الحل العسكري، وإعلاء المصلحة الوطنية في ليبيا، وذلك في مقاربة توضح رسوخ واستقرار السياسة الخارجية المصرية التي تنطلق من مرتكزات ثابتة تجاه الأزمة الليبية، تلك التي أكدها دوما الرئيس عبدالفتاح السيسي من أجل إنهاء حالة الصراع والاقتتال المحتدم في ليبيا، وقطع الطريق على المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى تفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتهم، وانخراط جميع الأطراف في جهود تشكيل مجلس رئاسي جديد يمثل الأقاليم الليبية الثلاثة، وبشروط يتفق عليها الجميع، وهي الغاية الأسمى للموقف والتحرك المصري تجاه الأزمة الليبية، الرامية إلى إرساء دعائم الأمن والاستقرار في جميع أنحاء ليبيا، من خلال السعي نحو تسوية سلمية للأزمة، تضمن وحدة المؤسسات الوطنية، والتوزيع العادل للثروات الليبية، ومنع التدخلات الخارجية.

لذا، انطلاقا من حرص مصر على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني للدولة الليبية، خصوصا أن استقرارها جزء لا يتجزأ من استقرار مصر، تمت دعوة قائد الجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، للحضور إلى القاهرة، بغية التشاور حول تطورات الأوضاع الأخيرة في ليبيا، بعد ترحيبهما بالدعوة، حيث أسفر اللقاء عن توافق القادة الليبيين على إطلاق "إعلان القاهرة"، متضمنا مبادرة (ليبية - ليبية) كأساس لحل الأزمة، في إطار قرارات الأمم المتحدة، والجهود السابقة في روما، وأبوظبي، وباريس، وأخيرا في برلين.

وقد تضمن "إعلان القاهرة" بشأن ليبيا عدة بنود، هي كالتالي:

أولا- تأكيد وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام جميع الجهود والمبادرات الدولية، وقرارات مجلس الأمن، والتزام مختلف الأطراف بوقف إطلاق النار، بدءا من 8 يونيو .2019

ثانيا- ارتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين، التي نتج عنها حل سياسي شامل يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية، والأمنية، والاقتصادية)، واحترام حقوق الإنسان، واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.

ثالثا- استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجنيف، برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من جميع الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتها، حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسئولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.

رابعا- العمل على استعادة الدولة الليبية لمؤسساتها الوطنية، مع تحديد الآلية الوطنية الليبية الملائمة لإحياء المسار السياسي، برعاية الأمم المتحدة، واستثمارا لجهود المجتمع الدولي لحل الأزمة الليبية.

خامسا- إعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية، مع تحمل الجيش الوطني مسئولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية، لحماية السيادة الليبية، واستعادة الأمن في المجالات البحرية، والجوية، والبرية.

سادسا- قيام كل إقليم من الأقاليم الثلاثة بتشكيل مجمع انتخابي، يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة، والشباب، والنخب السياسية من المثقفين والنقابات. وبموجب هذا البند، تجتمع اللجان الثلاث، تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتم التوافق عليها، ويتولي كل إقليم اختيار الممثل الخاص به، سواء بالتوافق، أو بالانتخاب، وذلك في مدة لا تتجاوز 90 يوما.

سابعا- قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي، ونائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائباه بتشكيل حكومة، وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالتها لمجلس النواب لمنحها الثقة.

ثامنا- يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة، فيتم اتخاذ القرارات، أو البت في المقترحات التي يقدمها القائد العام للجيش في هذه الحالة بالإجماع، وبحضور القائد العام.

تاسعا- حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية، طبقا لعدد السكان، عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، وتسمية رئيس الحكومة، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء)، وبموجب هذا البند، يحصل إقليم طرابلس على 9 وزارات، وإقليم برقة على 7 وزارات، وإقليم فزان على 5 وزارات، على أن يتم تقسيم الوزارات السيادية الست على الأقاليم الثلاثة بشكل متساو، وزارتين لكل إقليم، مع تعيين نائبين لكل وزير من الإقليمين الآخرين.

عاشرا- اضطلاع مجلس النواب الليبي باعتماد تعديلات الإعلان الدستوري من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالاتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز 30 يوما، بدءا من تاريخ انعقاد أول جلسة.

حادي عشر- قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الانتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة، باختيار المرشحين للمجلس الرئاسي، وعلى المجتمع الدولي إخراج المرتزقة الأجانب من جميع الأراضي الليبية.

وفيما رحب المجتمع الدولي، والدول المعنية بالملف الليبي، ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي، بـ "إعلان القاهرة"، فإن حكومة السراج، خلال ساعة من إعلانه، أعلنت رفضها له، وتضامنت معها في ذلك كل من تركيا وقطر، وأعقب ذلك عدم الالتزام ببنود الإعلان، واستمرار الدعم التركي المعلن للميليشيات، المتزامن مع عمليات عسكرية على الأرض روعت الآمنين، وهددتهم في المدن التي أعادوا السيطرة عليها، خاصة في مدينة ترهونة.

وقد شهدت مدينة ترهونة عملية احتجاز لعدد يبلغ 23 من العاملين المصريين بالمدينة، مع تعريضهم للتعذيب والإهانة، مما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تكليف مؤسسات وأجهزة الدولة المعنية باستعادتهم بكل الطرق الممكنة، وعبر التواصل والضغوط الدبلوماسية للأجهزة المعنية، تم الإفراج عن المحتجزين، وأعلنت وزارة الداخلية بالحكومة الليبية عن إحالة الأفراد المدانين بعملية الاحتجاز إلى المحاكمة، كانت الأمم المتحدة، عبر بعثتها في ليبيا، قد ضغطت في الاتجاه نفسه، مطالبة حكومة السراج بالتعامل الجدي مع الأزمة، وإجراء تحقيق في وقائعها التي تشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنساني الدولي، فيما يتعلق بحظر التعذيب، والمعاملة غير الإنسانية والمهينة.

مصر والردع من أجل السلام:

إزاء هذه التطورات، كان فرضا على الدولة المصرية تحديث أحد توجهاتها الرئيسية في إطار الردع من أجل تحقيق السلام والأمن، وهو ما تحدث به الرئيس السيسي لدي حضوره الاصطفاف الخاص بالقوات المسلحة في المنطقة الغربية العسكرية، في سيدي براني بمحافظة مرسى مطروح، والذي أعقبه تفقد سيادته، برفقة قادة القوات المسلحة، القوات المصطفة، ومدى جاهزيتها، حيث أشار سيادته إلى: "أننا نقف اليوم أمام مرحلة فارقة، تتأسس على حدودنا تهديدات مباشرة تتطلب منا التكاتف والتعاون، ليس فيما بيننا فقط، وإنما مع أشقائنا من الشعب الليبي، والقوى الدولية الصديقة للحماية، والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة، بدعم كامل من قوى تعتمد على أدوات القوة العسكرية لتحقيق طموحاتها التوسعية على حساب الأمن القومي المصري والعربي، وعدم احترام السيادة الوطنية لدولنا، تحت رؤية كاملة من المجتمع الدولي، الذي لا يزال لا يملك الإرادة السياسية لوقف هذه الاعتداءات".
وأكد الرئيس السيسي أن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوافر له الشرعية الدولية، سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة (حق الدفاع عن النفس)، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي (مجلس النواب)، وستكون أهدافه المحددة:

أولا- حماية وتأمين الحدود الغربية للدولة بعمقها الاستراتيجي من تهديدات الميليشيات الإرهابية والمرتزقة.

ثانيا- سرعة دعم استعادة الأمن والاستقرار على الساحة الليبية باعتبار ذلك جزءًا لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، والأمن القومي العربي.

ثالثا- حقن دماء الأشقاء من أبناء الشعب الليبي، شرقا وغربا، لتهيئة الظروف لوقف إطلاق النار، ومنع أي من الأطراف تجاوز الأوضاع الحالية.

رابعا- وقف إطلاق النار الفوري.

خامسا- إطلاق مفاوضات عملية التسوية السياسية الشاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، وفقا لمخرجات مؤتمر برلين، وتطبيقا عمليا لمبادرة "إعلان القاهرة".

تحدث الرئيس بعد ذلك في مجموعة من الخطوات، عُدّت بمنزلة "سياسة قوية للردع من أجل الحفاظ على السلام"، والبناء على ما تم التوصل إليه في مبادرة "إعلان القاهرة"، كان أبرزها ما يلي:

1- إن الجيش المصري يعد من أقوى جيوش المنطقة، ولكنه قوة رشيدة تعمل من أجل السلام، وإن مصر لن تصمت أمام أي تهديد لأمنها القومي، مؤكدا نصا: "أن مصر العظيمة بشعبها وجيشها لم تكن يوما من دعاة العدوان والاعتداء على الأراضي، ومقدرات أي من الدول، وإنما كانت تعمل على حماية وتأمين حدودها، ومجالها الحيوي، وتقديم الدعم للأشقاء بالدول العربية، انطلاقًا من أن الأمن القومي المصري هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، وأن أمن واستقرار الدولة المصرية يرتبط ارتباطا وثيقا بأمن واستقرار دول الجوار المباشر".

2- الجاهزية الكاملة للقوات المسلحة المصرية لتنفيذ أي مهام توكل إليها داخل وخارج حدود مصر، مؤكدا نصا في ذلك: "أنه يخطئ من يظن، أو يعتقد، أو يفسر أن صبرنا ضعف أو تردد، ولكن صبرنا من أجل استجلاء الموقف، وإيضاح الحقائق، لكنه ليس أبدا ضعفا أو ترددا".

3- إن الشرعية الدولية والقانون الدولي اليوم في صف مصر - وذلك وفقا للمادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة - إذا تحركت في الملف الليبي، وذلك لأن هناك تهديدا مباشرا على أمنها القومي، مشددا في ذلك علي: "تحذير أي قوى أو ميليشيا موجودة على الأراضي الليبية من تجاوز خط (سرت - الجفرة)، شرقي الأراضي الليبية، عادًا تجاوزه خطًا أحمر لن تسمح به الدولة المصرية، ولا ينبغي أن يعتقد البعض أنه يستطيع بقوة السلاح أن يحقق أطماعه، فأنا أقول له لن تمر شرقا ولا غربا، الخط الفاصل الآن الذي نقف عليه (سرت - الجفرة) ينبغي أن نحترمه جميعا، ونعمل على إجراء مباحثات لإنهاء هذه الأزمة، وندعم إرادة الشعب الليبي لتكون حرة، وليست لجماعات أو ميليشيات مسلحة أو متطرفة".

إن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة معني بالأعمال التي ينبغي اتخاذها في حالات تهديد السلم، والإخلال به، ووقوع العدوان. وتنص المادة 51 فيه على "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادي أو جماعات، في الدفاع عن نفسها، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة"، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين. والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا. ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس -بمقتضي سلطته ومسئولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق- من حق في أن يتخذ في أي وقت، ما يري ضرورة اتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين، أو إعادته إلى نصابه".

4- إن تحرير ليبيا لن يتم دون مشاركة الليبيين أنفسهم، وإن مصر لن تتأخر عن نداء الشعب الليبي، وإن شرعية التحرك المصري مستمدة من مجلس النواب، الكيان الوحيد المنتخب والشرعي في ليبيا، وذلك في ظل وحدة المصير المشترك التي تربط ما بين الشعبين المصري والليبي، مؤكدا نصا "نحن نتحدث مع شعب ليبيا، وليس مع طرف ضد طرف، كلهم أبناء ليبيا، فانتبهوا إلى خطورة الميليشيات التي لا تستقر معها الدول".

وتابع "نحن في مصر نكن للشعب الليبي كل الاحترام والتقدير الكبير، وليبيا دولة عظيمة، وشعبها عظيم ومناضل ومكافح، ونحن لم نتدخل في شئونهم عبر الأزمة التي مرت على ليبيا حتى الآن، وعلي استعداد دائم لتقديم الدعم والمساندة من أجل استقرار ليبيا، وليست لنا أي مصلحة، وأنا أقول ذلك لكي يصل كلامي من خلال هذا اللقاء لكل أبناء الشعب الليبي، نحن ليست لنا مصلحة إلا أمنكم واستقراركم، ولا نريد شيئا آخر، وبالمناسبة، لن يدافع عن ليبيا إلا أهل ليبيا".

وأوضح سيادته: "أننا في مصر لم نكن عبر التاريخ غزاة لأحد، ولا معتدين على سيادة أحد، ولو كنا نفكر بهذا المنطق، لكان يمكن تنفيذ ذلك منذ 3 أو 4 سنوات، لكننا نحترم الشعب الليبي، ولم نتدخل خلال هذه الأزمة، حتى لا يذكر التاريخ أننا تدخلنا في بلادكم وأنتم في موقف ضعف، لكن اليوم، الأمور مختلفة في معادلة الأمن القومي العربي، والأمن القومي المصري والليبي أيضا، ويجب أن نكون مدركين لذلك، ومستعدين لتقديم التضحيات اللازمة والمواقف الشريفة اللازمة".

5- إن مصر لن تسمح بأي مشاريع استعمارية جديدة تعتمد على المرتزقة والإرهابيين، وقوة السلاح. كما أن مصر تعمل من أجل فرض الهدوء والاستقرار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية، عقب التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وهو ما يعني تمسك مصر بالحل السياسي كخيار استراتيجي ضامن لأن يتم تمثيل كل الأطراف الليبية في الحل، حيث قال نصا: "إن مصر، بشعبها العظيم وجيشها والقوي، كانت ولا تزال تعمل للسلام، وتدعو لتسوية جميع الأزمات من خلال المسارات السياسية، التي تلبي إرادة وطموحات القوي، والشعوب، وتحترم القوانين، والقواعد، وقرارات الشرعية الدولية، إلا أن ذلك لا يعني الاستسلام والتفاوض مع القوي المعادية، والميليشيات الإرهابية، والمرتزقة، الذين يتم جلبهم لتهديد الأمن والسلم، الإقليمي والدولي، بهدف سيطرة الجماعات الإجرامية والمرتزقة المدعومة من القوي المعادية، والتي تسعي بدورها لاستعادة نفوذ مضي زمانه، ولا ترغب لأمتنا الخير، والأمن، والاستقرار، ونحذر من تهديدها للأمن والسلم الدوليين".

6- كما أكد سيادته: "أن من يتصور أن انشغال مصر بأمورها الداخلية يجعلها تتأخر لصد أي اعتداء على عمقها الإستراتيجي في ليبيا، أو في أي مكان آخر، فهو واهم، لأن مصر منتبهة ويقظة تماما، بالإضافة إلى أن هناك التفافا كاملا من الشعب المصري خلف قيادته السياسية في اتخاذ أي إجراء لحماية الأمن القومي المصري".

وفي النهاية، ينبغي تأكيد أن الخيار الإستراتيجي المصري في بناء السلام من أجل التنمية الشاملة العادلة لجميع شعوب الإقليم والعالم، والذي عُدَّ اتجاها ثابتا تنفذه السياسة الخارجية المصرية، بأدواتها الدبلوماسية المختلفة، ينبغي أن يفهم الجميع أنه لا يأتي من منطلق ضعف أو تردد، وأنه متى فرضت الظروف، والأوضاع، وتطورات الأحداث، سياقات مختلفة، فإن الدولة المصرية قادرة، عبر قواتها المسلحة الشريفة، على صون الأمن القومي المصري والعربي، وأن أي تهديد أحمق لأي دولة عربية، يمس أيا من الاتجاهات الرشيدة والعقلانية التي تنتهجها السياسة الخارجية المصرية، لم يعد أمرا مقبولا به، وعلي الجميع تفهم أن هذا التغير في لهجة الخطاب المصري إزاء أزمة إقليمية، لأول مرة منذ زمن طويل، إنما يعني أن الكيل قد فاض من انتهاكات القوي السياسية المعادية، صاحبة الأطماع والأحلام التوسعية في المنطقة العربية، وهو أمر لن تقبل به الدولة المصرية مجددا.

ولعل هذه الرسالة المصرية القوية قد وصلت إلى جميع دول العالم، ووضعت جميع الفاعلين الدوليين من الدول الكبرى، والدولة العظمي، والمنظمات الإقليمية والدولية، والأحلاف العسكرية، أمام مسئولياتهم بكل جلاء ووضوح، بغية بذل جهود حقيقية للوصول إلى التسوية السياسية الكفيلة بعودة الأمن والاستقرار للشعوب، التي كثيرا ما عانت خلال السنوات السابقة.

وهذه الرسالة، أيضا، يبدو أنها فُهِمت بكل وضوح من قبل الأطراف المعنية بالتدخل، حيث شهدت الساعات التي تلتها تحركات سريعة من الجانبين الأمريكي والفرنسي، ودول عربية، كالسعودية والإمارات، لتأييد حقيقي لمبادرة "إعلان القاهرة"، والذهاب بالجميع إلى طاولة المفاوضات، وذلك قبل أي تفاقم أو اختبار للأوضاع قد يضع الإقليم بالكامل في وضع شديد التعقيد.

إن مصر، بأدواتها الدبلوماسية القوية، وبقواتها المسلحة الشريفة، تملك القدرة على التأثير، بتمسكها بالقواعد والمواثيق الدولية والأممية، في الوقت ذاته الذي تملك فيه جيشا يملك أدوات الردع الكفيلة بحماية خيار السلام، الذي لن تحيد عنه مصر أبدا، ولكنه سلام الأقوياء.

نقلا عن مجلة السياسة الدولية

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
عمرو الشوبكي.. شوكة في كل العصور

لكي تتكون الشبكة، أخذت سنين كثيرة، كانت البداية بالتقاط عيون نابهة من نوابغ المصريين الذين يدرسون في الخارج بدأ استقطابها، ومن ثم العمل على غسل أدمغتها

نظرية الإعلام الدوار

تعتمد على بناء شبكة تهدف إلى إدارة والسيطرة على العقول في الدول المستهدفة (أ) من قبل الدول الأكثر قوة وتقدم ونمو (ب).. وهذه الدول (ب) لا تلجأ للحرب العسكرية

الأكثر قراءة