في الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن أهمية الإعلام الحقيقي والموضوعي في إقامة جسور الثقة بين الشعب وقيادته، وأهمية هذا الدور في جعل إنجازات تلك القيادة الرشيدة يشعر بها وينعم بخيرها المواطن المصري بمختلف انتماءاته ومستوياته، فوجئ الصحفيون بجريمة ترتكب في حق قطاع كبير منهم؛ وهم رواد وشيوخ وأساتذة المهنة من أصحاب المعاشات، وهم ما يزالون يعطون ويواصلون رسالتهم في تنوير الشعب وتثقيفه وخلق رأي عام واع ومستنير يقف وراء قيادته داعماً ومؤيداً لبناء مصر الحديثة في عهد الرئيس السيسي.
فقد استبشر كبار الصحفيين وغيرهم من أصحاب المعاشات بتوجيهات القيادة السياسية للبلاد ممثلة في الرئيس الإنسان عبدالفتاح السيسي بضرورة صرف استحقاقات أصحاب المعاشات باعتباره تكريمًا لما قدموه للوطن خلال فترة شبابهم من جهد في كافة المجالات والأعمال، ورأى الصحفيون - ومعهم كل أصحاب المعاشات في مصر - في رحيل الدكتورة غادة والي عن وزارة التضامن بشرة خير، خاصة أنها كانت تأخذ موقفًا متعنتًا بخصوص صرف حقوق أصحاب المعاشات من العلاوات الخمس التي أقرها مجلس الدولة.
وكانت فرحة الجميع من أصحاب المعاشات - ومن بينهم الصحفيون - كبيرة بانحياز الرئيس إلى جانب حقوقهم، وتنفسوا الصعداء عندما أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي د. نيفين القباج بدء صرف العلاوات الخمس والدفعة الأولى من المتجمدات الخاصة بها، وأثنى الجميع على قرار الرئيس السيسي بصرف العلاوات الخمس وزيادة المعاشات 14%، وهي زيادة سنوية طبقًا للقانون، ولكن حسابيًا كانت من المفترض أن تكون أقل من 10%؛ لأن نسبة التضخم أقل من 10%، ولكن سياسات الدولة منذ تولي الرئيس السيسي تتبع سياسات الاحتواء والحماية الاجتماعية لأصحاب المعاشات، حيث جرى ضخ الكثير من الأموال هذا العام تقترب من 60 مليار جنيه، منهم 35 مليارًا للعلاوات الخمس، و25 مليارًا قيمة الزيادة السنوية بنسبة 14%.
وسط هذه الفرحة كانت صدمة الصحفيين من أصحاب المعاشات بخروجهم من هذا الفرح الجماهيري، وحرمانهم من حق أصيل لهم، خاصة أن توجيهات وتعليمات الرئيس لم تستثن أحدًا، وموجهة لأصحاب المعاشات بدون تفرقة.
وهنا لن نقارن بين معاشات الصحفيين، وبين غيرهم سواء من رجال الشرطة أو ضباط القوات المسلحة، أو القضاة، أو غيرهم، فكل هؤلاء صحفيين وضباط الشرطة والقوات المسلحة والقضاة وغيرهم خدموا بلادهم، وتفانوا في أداء واجبهم طوال سنوات خدمتهم وقدموا تضحيات كثيرة، ووقفوا صفًا واحدًا مع مواطنيهم وقيادات مصر في كافة المواقف والظروف الصعبة التي خاضتها مصر، ومن حقهم أن يعيشوا ما تبقى من عمرهم بكرامة ودونما احتياج، وهذا ما تحاول الحكومة أن توفره لهم.
ولهذا كان موقف وزارة التضامن من كبار الصحفيين وشيوخهم صادمًا لكل الوسط الصحفي والمنصفين من أعضاء مجلس النواب، وكل من يعرفون الجهد والدور الذي يقوم به الإعلام في مواصلة مسيرة النمو والنهوض في بلادنا، ورأى الصحفيون ومعهم كل المنصفين أن حرمان الصحفيين من أصحاب المعاشات من صرف العلاوات الخمس يُعد مخالفة دستورية وقانونية ويرفضون قرار تأجيل الصرف بذريعة أنه سوف يتم مراجعة رؤساء صناديق المؤسسات الصحفية في هذا الشأن؛ حيث إنهم لا يعتبرون حكومة أو قطاعًا خاصًا وإنما لهم طبيعة خاصة.
ونحن جميعًا لا نفهم سبب هذا التسويف والمماطلة في صرف مستحقاتهم كما نرفض حرمان أصحاب المعاشات من الصحفيين من العلاوات الخمس بحجة وجود مديونيات على المؤسسات الصحفية القومية لأن هذا يعتبر خلطًا غير مقبول، ويُعد الحرمان من صرف علاوات المعاش من المخالفات القانونية، فضلا عن التأثير السلبي لذلك على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية لهم.
كل الصحفيين واعترافًا بفضل رواد مهنة البحث عن المتاعب يستهجنون هذا الحرمان الذي يأتي في الوقت الذي تصدر فيه توجيهات من القيادة السياسية، وحكومة الدكتور مصطفى مدبولي بضرورة صرف استحقاقات أصحاب المعاشات باعتباره تكريمًا لما قدموه للوطن خلال فترة شبابهم من جهد في كافة المجالات والأعمال وانطلاقًا من دور الصحافة في تنوير الرأي العام ودورها في نشر الوعي بين المواطنين والتصدي للقضايا المجتمعية، بجانب الحرص على مصلحة الصحفيين.
وبرغم مرارة ما حدث لرواد مهنتنا وشيوخها فإننا نثمن هبة بعض نواب مجلس الشعب، ومنهم النائب محمد الغول، والنائب أسامة شرشر، والنائب الدكتور صلاح حسب الله المتحدث باسم مجلس النواب، الذين تقدموا ببيانات عاجلة للمجلس مؤكدين أن حرمان أصحاب المعاشات من الصحفيين من العلاوات الخمس، مخالفة دستورية وقانونية، مطالبين الحكومة بضرورة النظر في أمر صرف العلاوات لهم، خاصة أن الدستور وأحكامه يشيرون بما لا يدع مجالا للشك إلى أن أموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، وأنه يجب أن يستفيد منها أصحاب المعاشات من الصحفيين، نظير ما قدموه للبلاد من خدمات وطنية ومهنية جليلة، وأنه لم يكن يجوز حرمانهم من العلاوات الخمس التي يتم صرفها، وأنه من الضروري البحث عن آلية وكيفية يتم بها تطبيق الحق الدستوري والقانوني المكفول لهؤلاء الصحفيين، والمعني في الأمر وزيري المالية محمد معيط، والتضامن نيفين القباج، ويجب على الحكومة وانطلاقًا من الحرص على مصلحة الصحفيين مساواتهم بباقي فئات المجتمع، خاصة أننا في دولة قانون وأحكام قضائية يجب علينا احترامها وتنفيذها بالكامل بدون أي عوار أو ما يخالف صحيح القانون.
ومن هنا نطالب الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، شخصيًا، بسرعة التدخل لحسم هذا الملف تقديرًا وتكريمًا لجميع الصحفيين ولدورهم الوطني في مواجهة جميع التحديات والمؤامرات والمخاطر التي تواجه الدولة المصرية خارجيًا وداخليًا.
Dr.ismail52@gmail.com