هناك سباق محموم فى ظل إيقاع سريع لسلسلة من الأحداث والتحديات المحلية والإقليمية والدولية بين سعى الدولة المصرية وفى القلب منها القوات المسلحة الباسلة لإقرار الأمن والعمران والاستقرار وتغليب السلام والخيارات الدبلوماسية والشرعية الدولية، وبين أفكار وجماعات ودول تتبنى سياسية تفعيل «العنف والحروب» كأسلوب لفرض أغراضها بأسلوب الهيمنة والتبعية مع استنزاف موارد البلاد ومكتسباتها البشرية والطبيعية.
إنها فى الحقيقة معركة فاصلة بين الحق والباطل على كافة المستويات ومختلف الميادين الفكرية والعملية؛ وفى سبيل ذلك استخدم أهل الشر عبر عدة عقود سابقة أدوات متنوعة كانت على رأس أولوياتها تقديم ودعم الخطاب الدينى المتشدد والمتطرف المتلاعب بالمفاهيم اختلالا واختزالا واحتلالا، نظرًا لما تمثله قضية المفاهيم من أهمية كبيرة فى الوعى والعلم واستقرار حياة الأمم.
نعم، إن مفهوم «الجهاد» كان هو الأبرز من هذه المفاهيم والأكثر حضورًا وطرحًا وتناولًا بطريقة ماكرة جعلته منحصرًا فى أنشطة هذه الجماعات وتلك الممارسات الإجرامية ومبررا شرعيًا لأفعالهم الشنيعة، ولم يدرِ هؤلاء أنهم بذلك يرسخون: «أن الإسلام قد انتشر بالسيف»، وأنه «دين يدعو إلى الحرب وإلى العنف»، وهى مقولات زائفة صنعت صورة مشبوهة لطالما سعى فى ترسيخها أعداء الإسلام. إن الجهاد مفهوم نبيل ورد فى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية بمعان ثلاثة: جهاد العدو الظاهر بشروط ومحددات، وجهاد الشيطان، وجهاد النفس، حيث قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[البقرة: 190]، وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)[الحج: 78]، وقال صلى الله عليه وسلم: «وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِى طَاعَةِ اللهِ» كما فى الحديث الصحيح الذى أخرجه الترمذى والحاكم.
كما تشمل هذه المعانى لمفهوم «الجهاد» حماية الحدود وتأمين الاتجاهات الاستراتيجية للدولة برًّا وجوًّا وبحرًا سواء فى حالة السِلم والأمن أو فى حالة الحرب، بل إن الشرع الشريف قد أرشد إلى أن إعداد القوة اللازمة لردع وإشاعة الرعب والخوف فى نفس من يريد الهجوم على الأوطان أهم من ممارسة القتال نفسه؛ لأنه عمل وقائى وخطوة للسلام وتحقيق الأمن والاستقرار، وفى ذلك يقول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال: 60].
والفقهاء متفقون فى الجملة على أن الجهاد بمعناه المنضبط لا يجوز أن يقع إلا تحت راية ولى الأمر وما يمثله من الجهات المعنية بواقع الأمور حربيًّا وسياسيًّا وواقعيًّا مع تقدير الحاجة من عدمها، ولا يترك للأفهام الخاطئة والرؤى الفردية الخاصة.
وهى حقائق ناصعة تهدم وبشكل مباشر ما تروجه جماعات الإرهاب والعنف من تشويه لمفهوم الجهاد تارة، ولمز للدولة الوطنية بأن «الجهاد فريضة معطلة» تارة أخرى، والحق الواضح أن الجهاد فى العصر الحاضر أمر منظَّم بشكل محدد المعالم يُؤمَن فيه على القوات والأفراد المشاركة من الوقوع فريسة لأحد يستغل عواطفهم وحماسهم؛ لخدمة أهداف معادية تحت هذا المصطلح النبيل فى مفهومه وإجراءاته وأهدافه.
وهذا ما تحقق واقعًا من استغلال أهل الشر من الجماعات الإرهابية والمتطرفة للوقوف ضد إرادة الشعب المصرى من خلال إعلانها ممارسة العنف وبصورة علنية ضد الدولة المصرية خاصة القوات المسلحة والشرطة بعد ثورة 30 يونيو 2013م النقية، بل صاحب ذلك فى السنوات الأخيرة توسيع التحرك من أجل إعادة تشكيل وصياغة مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتحقيق أهداف وأغراض خبيثة من خلال فرض الهيمنة وسياسة الأمر الواقع.
وهيهات هيهات لهم أن ينالوا ذلك؛ لأنه مهما تكن الأخطار كبيرة ومختلفة فى طبيعتها فإن الدولة المصرية والقوات المسلحة الباسلة جاهزة وقادرة على حفظ أمن مصر القومى محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ومواجهة مختلف التحديات على كل الاتجاهات الاستراتيجية وردعها ومكافحتها بأساليب ابتكارية متكاملة وبصورة شريفة تمتثل فيها بحقيقة مفهوم «الجهاد» الناصعة ومعانيه النبيلة وأحكامه الشرعيَّة والوطنية، لا الجهاد الزائف الذى تدعيه جماعات الإرهاب ومن يساعدهم.
نقلا عن صحيفة الأهرام