Close ad

معركة البناء والوباء

11-5-2020 | 14:59

بما أن العالم عجز - حتى الآن - عن إيجاد لقاح فعال يكافح فيروس كورونا، وفشل أيضًا في توفير علاج ناجز يحاصر هذا الوباء اللعين؛ فقد بات العالم أمام خيار وحيد لا ثاني له؛ وهو النزول إلى العمل والتعايش مع الوباء - وفق إجراءات احترازية - نعم النزول الإجباري من البيت إلى العمل سيكون هو خيار المرحلة المقبلة حتى لا يحل الجوع ويسود المجتمعات الفقر.

.. تلك هي الحقيقة الصادمة التي وصل إليها العالم بعد شهور من الاحتباس في المنازل والتقوقع داخل الحدود فجاءت النتائج كارثية, والعواقب وخيمة والخسائر جسيمة.. فقد خرج من رحم الوباء أزمة غذاء.. وبات الكثير من دول العالم على شفا مجاعة بعد أن توقفت الحياة الاقتصادية وجفت القنوات الإنتاجية..

مئات الملايين في العالم فقدوا وظائفهم بعد أن أغلقت شركاتهم, وتوقفت مؤسساتهم.. وقالت دراسة للأمم المتحدة إن 81% من القوى العاملة في العالم، التي تبلغ 3.3 مليار شخص، قد أُغلقت أماكن عملهم، بشكل كامل أو جزئي، بسبب تفشي وباء كورونا.

بينما قالت منظمة العمل الدولية إنه من المتوقع أن يؤدي تفشي الوباء إلي إلغاء 6.7% من ساعات العمل في جميع أنحاء العالم، خلال الربع الثاني من عام 2020، وهو ما يعني فقدان 195 مليون عامل لوظائفهم.

فيما توقع صندوق النقد أن تشهد أكثر من 170 دولة تراجعاً في دخل الفرد هذا العام؛ بل جاءت تحذيرات أكبر 3 منظمات دولية - وهي التجارة العالمية والأغذية الدولية والصحة العالمية - من حدوث مجاعة عالمية إذا استمر الوضع الراهن لتدق المنظمات الدولية الثلاث ناقوس الخطر، وتدفع نحو عودة محسوبة للعمل تحافظ على حياة البشر وتضمن لهم غذاءً آمنًا.

وحين يتم الحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية بهذا الشكل المخيف، وبتلك الأرقام المرعبة، فإن مصر ليست في معزل عن مخاطرها ولا في منأى عن عواصفها، ولا بعيدة عن تداعياتها.. بل ربما تكون الأكثر تضررًا ما لم تتخذ من الإجراءات التي تعيد عجلة العمل إلى الدوران وفي ذات الوقت توفر الضمانات التي تحافظ على صحة المواطنين وتمنع وقوعهم فريسة لهذا الوباء اللعين.

ويقينا، فإن تحقيق هذه المعادلة يمثل تحديًا كبيرًا لا يمكن أن تواجهه الدولة بمفردها، بل أقول إنها قضية مجتمع بكامله، والتصدي لها يتطلب كل فعل وطني مسئول حتى نستطيع عبور هذه الأزمة الخطيرة وتجاوز تداعياتها الجسيمة، فالنزول يعني الالتزام بقواعد "الحياة الجديدة" التي فرضها فيروس كورونا من حيث توخي الحذر في التعامل مع الآخرين، والحرص على التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وغير ذلك من إجراءات احترازية أصبحت أدوات إجبارية للتعايش مع الوباء.

فإذا كانت الدولة تقع عليها مسئولية وضع القواعد واللوائح المنظمة لعودة العمل وفق محددات واضحة وخطط مدروسة توفر مناخ التعايش مع الوباء وتضمن في ذات الوقت عدم تفشيه؛ فإن المواطن يقع عليه أيضًا المسئولية الأكبر في تنفيذ هذه القواعد، ليس فقط باعتبارها قانون دولة يجب احترامه وتنفيذه؛ ولكن باعتباره أيضًا نظامًا وقائيًا تم وضعه من أجل حمايته هو وأسرته وأهله من الإصابة بالفيروس.

المؤكد أنه اختبار صعب وتحد أصعب تمر به مصر في معركة "البناء و الوباء"؛ لكنه ليس مستحيلا فقد تجلت إرادة المصريين على مر التاريخ في مواجهة تحديات أكثر شراسة وأشد خطورة، ونجحت بفضل هذه الروح في عبور مثل هذه الأزمات وتفادي آثارها, وأمامنا اليوم فرصة تاريخية في تقديم ملحمة وطنية جديدة وتجربة مصرية رائدة في مواجهة هذا الوباء تكون نموذجًا للعالم، وتحول هذه الأزمة إلى فرصة لا ستكمال مسيرة البناء التعمير، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات.

لا خيار اليوم أمامنا في البقاء بالمنزل إلى أجل غير معلوم, ولا اختيار لنا في عدم الالتزام بالإجراءات الاحترازية, علينا أن ندرك أن وضع البقاء في البيت بلا عمل سيؤدي بنا إلى كارثة.. وسيناريو الاختفاء عن الوباء في المنزل لن يجلب سوى الفقر.. والدولة التي اضطرت إلى الاقتراض من صندوق النقد واستنزفت نحو 10 مليارات دولار من احتياطي النقد الأجنبي خلال شهرين فقط، لن يكون في مقدورها القيام بما تقوم به حاليًا في ظل نشاط اقتصادي متوقف؛ بل إن استمرار هذه التداعيات – لا قدر الله - إلى ما بعد شهر يوليو المقبل سيجبر الدولة على مراجعة بنود المصروفات في الموازنة الجديدة التي تصل إلى 1.7 تريليون جنيه، والقيام بإجراءات تقشفية من خلال تجميد بعض البنود، وذلك لضمان قدرة المالية العامة على الوفاء بالتزاماتها.

.. هي ليست دعوة للتضحية بالأرواح مقابل المال, فالمؤكد أن صحة المواطن لا تقدر بمال، كما أن مستقبل الأمم لا يبنى من المنازل.

..إنها معركتنا مع الوباء والبناء

.........

حفظ الله مصر من كل سوء

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: