تُعَدُّ معركة بدر الكبرى فى السابع عشر من رمضان للعام الثانى من الهجرة النبوية مَعلمًا عريقًا ودستورًا مستقيمًا انبثقت عنه قيم البذل والتضحية فى أبهى صورها؛ حيث أثبت صدر الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم عمليًّا أنهم من أهل العطاء والفداء؛ حيث خرجوا فى هذه الغزوة وهم صائمون، وعددهم لا يبلغ ثلث عدد عدوهم، فضلا عن تفوق عتاده وتجهيزاته عليهم، لكنهم انتصروا بصدق إيمانهم وحسن بذلهم وكمال إحسانهم بتضحياتهم وأفعالهم.
وقد كان ذلك على كافة المستويات؛ فقد كان النبى "صلى الله عليه وسلم" أشجعهم وأكملهم تضحية وبذلًا وأشدهم بأسًا، حيث يصفه سيدنا على "رضى الله عنه" فيقول: “لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللَّهِ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا”، أما على مستوى الجنود فذلك منقول ومأثور شاهد على إيمانهم وصدقهم، ومحفِّز لنا للتأسِّى بهم، والاقتداء بآثارهم؛ لأنهم قد حظوا بما لم يحظ به أهل موقعة قبلها ولا بعدها، فقد قال "صلى الله عليه وسلم" فى شأنهم: “وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
ولا يخفى أن الأمة المصرية قد استلهمت قيم معركة بدر الكبرى وانطلقت من محدداتها الإيمانية والإجرائية وتضحيات قادتها وجنودها فى معاركها المعاصرة؛ فكان “بدر” هو عنوان خطة عبور المصريين لتحرير سيناء من الاحتلال فى ظهيرة يوم 6 أكتوبر 1973م تيمنًا بوعد الله تعالى المنجز لرسوله "صلى الله عليه وسلم" يوم بدر كما فى قوله تعالى: “سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُولُّون الدَّبُر”، وعلى هذا الدرب المجيد يواصل الجيل الحالى من أبطال القوات المسلحة والشرطة تقديم أروع الملاحم فى البطولة، وبذل أنبل نماذج الفداء والتضحية لاستكمال مهام مقدسة تقتضى القضاء على العناصر الإرهابية والتكفيرية بشمال ووسط سيناء، كمسار أول للبرنامج المتكامل الحكيم، الذى يوازيه فى العمل والإنجاز المسار الثانى وهو تنمية هذه الأرض المباركة وتعمير ربوعها.
ولا تخفى خطورة هذه المواجهة وأهميتها؛ حيث ظهور هذه الجماعات التكفيرية والإرهابية بين أفراد هذه الأمة، والتى تعمل وفق أساليب حركية متطورة، مع إحياء فكر الخوارج القديم القائم على التكفير والعنف فى صورة ثوب جديد تختزل فيها مفاهيم الدين النقية وتروج كذبًا وبهتانًا لشعارات: “نصرة الدين”، و”نصرة العدالة الاجتماعية”، وشأنهم فى كل ذلك تخطيطًا وتنفيذًا ومصيرًا كما قال الله تعالى: “وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ”.
ودائمًا ما تؤكد ملاحم النصر لهذه الأمة انطلاق المصريين قيادة وجندًا وشعبًا من قيم التضحية والبذل والفداء فى تحقيق آمالها وطموحاتها فى السراء والضراء؛ حتى استعصت على أعدائها قديمًا وحديثًا، فلم ينالوا منها، وقذف الله فى قلوبهم الْمهابة والرعب؛ فعاشت أُمَّتُنا كريمة عزيزة فى الشرق وفى الغرب وعبر القرون، فهى أمة الرباط إلى يوم القيامة!
نقلًا عن صحيفة الأهرام