تشتد بورصة الدراما الرمضانية لهذا العام على أوجها رغم قلة المسلسلات المطروحة عن الأعوام السابقة، إلا أن العديد من الأسباب على رأسها فيروس «كورونا» وفرض الحظر واغلاق الخيمات الرمضانية والمقاهى لم يترك سبيلا أمام المتلقى الا أن يجد فى مشاهدة التليفاز نافذته الوحيدة للترفيه والترويح عن النفس، وفى الواقع البعض لا يسمو الى كونه عملا جادا، بل يميل الكثير من الأعمال الى السطحية المفرطة وكأن الضحكة أصبحت غالية وعزيزة، ولن ننكر أن له جمهوره.
أما العمل الذى اجتمعت عليه الغالبية الساحقة من الشعب هو مسلسل «الاختيار» الذى يحكى قصة أحد أبطال الجيش المصرى الشهيد أحمد المنسى وفى خط درامى مواز لنفس النسق ارهابى خائن وهو هشام العشماوى، والمثير للدهشة أننا جميعا نعرف قصة الشخصين سلفا الا أن الفعل الدرامى له وقع أكثر تأثيرا على النفس، ونضحت وطنيتنا من الأعماق لترتسم على الجباه، رغم بعض السقطات الفنية فى الصناعة الدرامية الا أن احساسنا بالفخر الوطنى ألزمنا بغض الطرف عن الوقوع فى التفاصيل.
واللافت للنظر المحيط الأسرى الذى أحاط بـ «المنسى» وجعل منه رجلا، ونشأة «العشماوى» التى صنعت منه إرهابيا، وهنا علينا أن نقف على دور الأسرة فى التربية وإعداد الأجيال فإما أن تصنع منهم رجالا أو مجرد ذكور فى قطيع عميان، ولن نتغافل عن الدور الذى قام به محمد إمام «فتحى» رغم صغره الا أنه دور ترك علامة فهو ضابط الجيش الذى وقف يتصدى لمجموعة من الإرهابيين بعد أن نالوا من كتيبته ولم يتراجع لآخر نفس بل وأبلغ صاحبه أن يخبر أمه لو استشهد ويقول لها «ابنك مات راجل»..
والحقيقة لم نعلم ماذا كان يقصد بـ«أمه» هل من أنجبته أم الأم الأكبر «مصر»، وفى كلتا الحالتين سوف يقسم الجميع بأنه مات رجلا، فالرجولة أن تختار بمحض ارادتك أن تتحمل مسئولياتك الملقاة على عاتقك دون مواربة أو ارتباك أو أدنى تخاذل، الرجولة أن تعيش بكرامتك وأنت تدافع عن أرضك وعرضك ووطنك أو أن تصعد روحك الطاهرة الى السماء، فالجبناء يهربون من الخطر، والخطر يفر من الشجعان، فالشجاعة ليست غياب الخوف، ولكنها القدرة فى التغلب عليه. فضلا عن المشهد الذى أمر فيه المجند بعدم إطلاق النار صوب المبنى المفخخ لوجود أطفال خلفه.. هو ما أجاب عن تساؤل ملح طالما راود أذهاننا: لماذا لا يقوم جيشنا بدك كل معاقل الإرهاب فى سيناء الحبيبة لنتخلص منهم دفعة واحدة الى الأبد؟!.
وقد عرفنا الآن أنهم وسط كل هذه المعارك المحتدمة يضعون الأطفال والنساء والشيوخ فى عين الاعتبار وهم لا حول لهم ولا قوة، إن التربية العسكرية التى نشأ عليها جنودنا كانت تربة خصبة لإنتاج الرجال.. نعم الرجال الذين يحملون أرواحهم فداء للوطن.. الرجال الذين يدفعون دماءهم من أجل حفنة تراب على أرض مصر.. وكأن الرجولة عندهم مسار إجبارى يولدون به.
وهنا أيضا علينا أن نقف على نتيجة مهمة ألا وهى أن قوة التأثير على المشاهد ليست بطول الدور أو البطولة المطلقة أو تكرار المشاهد ولكن الأهم الجملة الحوارية وطريقة الإلقاء حتى ولو كانت جملة واحدة وهو ما برهنت عليه الأعمال الفنية والدرامية على مدار عقود طويلة، ولكن مازال بعض النجوم يستخدمون وحدة قياس الكيلو متر فى السيناريو حتى يوافقوا على الدور!!
فسلاما على أرواح الشهداء وسلاما على أرض الكنانة وسلاما على كل أسرة قررت أن تربى رجلا وليس إرهابيا.. وتحية لصناع الدراما الهادفة التى تنعش حواسنا بالمتعة والشغف.. عاشت مصر حرة أبية.
نقلًا عن صحيفة الأهرام