Close ad

عيد العمال وأحوال العاملين

6-5-2020 | 15:14

جاء الاحتفال بعيد العمال هذا العام في ظل ظروف عمل غاية في الصعوبة والتعقيد، وذلك نظرا للآثار السلبية المترتبة علي انتشار فيروس كورونا وما تبعها من إجراءات وتدابير تحمل العمال العبء الأكبر منها، وتشير منظمة العمل الدولية في أحدث تقديراتها الي ان ما يقرب من نصف القوي العاملة العالمية، والبالغة نحو 3.3 مليار عامل، معرضة لخطر فقدان وظائفها، كنتيجة أساسية للإغلاق الكلي او الجزئي لمعظم اقتصادات العالم، ومما زاد من تعقيد المشكلة انها جاءت في ظل أوضاع عمالية سيئة نظرًا لهشاشة أسواق العمل العالمية، واستحواذ القطاع غير الرسمي علي معظم الوظائف، وازدياد الطلب علي العمالة المؤقتة، وارتفاع معدلات البطالة، كنتيجة للتطورات التكنولوجية والتغيرات الديموغرافية وغيرهما، التي أدت الي السرعة في تغير وتنوع المهارات المطلوبة لسوق العمل، وهكذا تحول شعار العمل اللائق، بمعني توافر فرصة عمل مناسبة وبدخل ملائم وتتيح الاستقرار في العمل وسط ظروف عمل آمنة وحماية اجتماعية، الذي كانت تسعي الي تحقيقه منظمة العمل الدولية، الي البحث عن الأمان الوظيفي

ولم يكن الاقتصاد المصري بمعزل عن هذه التغيرات، فعلي الرغم من انخفاض معدل البطالة من 13% عام 2016 الي نحو 8% عام 2019، فإن هذا المؤشر يخفي العديد من الأمور المهمة التي ينبغي التوقف عندها ودراستها، وعلي رأسها تراجع معدل التشغيل في المجتمع من 45% عام 2010 الي 39% عام 2019 وهي مسالة مهمة واساسية خاصة ان 44% من القوي البشرية (السكان من سن 6 الي 65 سنة ماعدا غير القادرين عن العمل بصفة دائمة مثل المصاب بعجز كلي) هم داخل قوة العمل والباقي خارجها (إما للتفرغ للأعمال المنزلية او للدراسة او للتقاعد) مع ملاحظة ان هذه النسبة ترتفع كثيرا بالنسبة للإناث حيث يوجد83% منهن خارج قوة العمل، وهو ما يشير الي انسحاب المرأة من سوق العمل، إما لان ظروف العمل لم تصبح مواتية لها او عدم توافر ظروف آمنة للعمل او لأسباب اجتماعية تتعلق بأنماط القيم السائدة في المجتمع لكل ما سبق ارتفعت نسبة الإعالة بشدة

كما أدت هذه التطورات الي ازدياد دور القطاع غير الرسمي والعمالة غير المنتظمة في التشغيل، وهنا يجب التفرقة بينهما، إذ تشير د. ناهد العشري وزيرة القوي العاملة السابقة الي ان العمالة غير المنتظمة كما حددها قانون العمل هم عمال الزراعة الموسمية، وعمال البحر، وعمال المناجم والمحاجر، وأعمال المقاولات، والتي أدرجت علي سبيل المثال، وليس علي سبيل الحصر، بمعني أن للحكومة أن تضيف لها فئات أخري تري ضرورة إدراجها. ومن الناحية المؤسسية هناك العمالة في القطاع الرسمي والقطاع غير الرسمي، وأيضا داخل المنشآت وخارجها، فغير الرسمي وفقا للتعداد الاقتصادي هو الاعمال الخدمية والإنتاجية التي تمارس داخل المنشآت بشكل غير رسمي دون أي تسجيل او الحصول علي تراخيص او اتخاذ أي شكل قانوني، وبالتالي فهي تختلف عن العمالة الهامشية مثل العاملين في الورش الصغيرة أو الأعمال اليدوية والحرفية أو الذين ليس لهم مكان عمل إلا بالشارع كالباعة الجائلين وعمال التراحيل والحرفيين وعمال اليومية ومنادي السيارات وخدم المنازل وموزعي الصحف.

وهنا يشير التوزيع القطاعي للمشتغلين الي ان هناك تراجعا في نسبة العمالة بالقطاع الحكومي وقطاع الاعمال العام والقطاع العام مقابل ارتفاع نصيب القطاع الخاص المنظم داخل المنشآت الذي استحوذ علي33% (منهم نحو 69% في القطاع الرسمي و31% في القطاع غير الرسمي) وذلك وفقا للتعداد الاقتصادي الأخير، اما القطاع الخاص خارج المنشآت فقد استحوذ علي 45%من العاملين وبالتالي مازالت هذه القطاعات تشكل النسبة الغالبة بسوق العمل ككل وترتفع هذه النسبة بشدة داخل الريف المصري. وتكمن خطورة هذا الوضع إلي انها بدأت تستوعب قطاعات جديدة من الشباب خاصة خريجي الجامعات والمعاهد العليا ليضافوا إلي قوته الأساسية المتمثلة في المنتقلين من الريف المصري إلي المدن أو العائدين من الخارج. ويرتبط بهذه المسألة مدي الاستقرار في سوق العمل، اذ تشير الإحصاءات الي ان من يعملون عملا دائم ا هبط الي73% عام 2019 وفي المقابل ارتفعت نسبة العاملين في عمل متقطع الي 20%، اما العاملون في عمل مؤقت فقد ارتفع الي 6%

وتكمن خطورة هذا الوضع ليس فقط في عدم الاستقرار الداخلي لسوق العمل ولكن لصعوبة وضع أو رسم سياسات محددة من جانب متخذي القرار، ناهيك عن صعوبة تنظيم الأوضاع بداخل السوق مع ما يتلاءم واحتياجات المجتمع. فضلا عن الظروف السيئة التي يعمل فيها هؤلاء. وخير دليل علي ذلك أنه تصل نسبة العاملين بعقد قانوني الي 41% من إجمالي العاملين بأجر، ونسبة المشتركين بالتأمينات الاجتماعية إلي 45%. وكذلك تبلغ نسبة المشتركين في التأمين الصحي نحو 39 %

ومن الأمور المهمة هنا ارتفاع نسبة البطالة للإناث الي نحو 22% مقارنة بـ 5% للذكور أي انها ثلاثة اضعاف النسبة علي الصعيد القومي يضاف الي ذلك ارتفاع معدل البطالة بين الشباب (15 -29 سنة) الي نحو 17% وترتفع هذه النسبة للإناث الي 43% وهي نسب مرتفعة للغاية، هذا فضلا عن ارتفاع نسبة المتعطلين الذين سبق لهم العمل لتصل الي 31% من اجمالي المتعطلين وهنا يثار السؤال المنطقي إذا كانت معدلات البطالة تنخفض فكيف ترتفع معدلات البطالة لهؤلاء؟ ونعتقد ان الإجابة هنا تكمن في كون سوق العمل أصبحت تعتمد علي عمالة جديدة بدلا من العمالة القائمة وذلك توفيرا للنفقات.

كل هذه المؤشرات وغيرها توضح لنا بما لا يدع مجالا للشك مدي خطورة وتداعيات الأوضاع الحالية في سوق العمل، خاصة ان آثارها لا تتوقف علي الصعيد الاقتصادي (باعتبارها تمثل هدرا فادحا للطاقات البشرية المتاحة) فحسب، بل تمتد بآثارها لتشمل كل جوانب المجتمع سياسيا واجتماعيا وحضاريا وتحتاج إلي تبني سياسة جديدة للتشغيل. خاصة بعد ان أصبحت مدة صلاحية المهارات المطلوبة قصيرة الاجل مما يتطلب احداث تغيرات جوهرية في التعليم والتدريب والاستثمار في راس المال البشري, الصحة والتعليم والمعارف.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
ضريبة الدخل والفصل بين السلطات

ان إعفاء المكافآت الممنوحة لأعضاء البرلمان من ضريبة الدخل يأتى أساسا لرغبة المشرع فى الفصل بين السلطات.. جاء ذلك التصريح على لسان وكيل لجنة الخطة والموازنة

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (3)

أوضحنا خلال المقالين السابقين أهمية الاستثمار فى صناعة الرياضة ودوره فى التنمية المجتمعية عموما والبشرية على وجه الخصوص، واصبح التساؤل الى اى مدى تعاملت

كأس العالم لليد والاستثمار في الرياضة (2)

أشرنا في المقال السابق الى أهمية وضع الرياضة فى خدمة التنمية البشرية بغية جعلها إحدى الأدوات المساهمة فى رفع كفاءة الأفراد والمساهمة فى تطوير الإنسان وهو