Close ad

حضارة مصر بين الشرق والغرب (5)

3-5-2020 | 16:33

هناك قضية تثار من وقت لآخر وهي هل ننتمي للشرق أم للغرب؛ فمثلا عالم الجغرافيا ابن سعيد المغربى يرى مصر تتبع الغرب ويؤيده بعد ذلك أبو الفدا، بينما يرى العالم دقلديانوس أن مصر تتبع الشرق.

والواقع أن حضارة مصر جمعت بينهما وحضارة مستقلة؛ حيث تختلف عن حضارة الشرق، وبالنسبة لمكانة المرأة نجد المجتمع الشرقي قديمًا يبعد المرأة عن المجتمع والحياة العامة، ولكن الحضارة المصرية القديمة منحت المرأة كافة حقوقها في البيت والعمل والمجتمع والحياة بوجه عام؛ فنادرًا ما وجدت رسمًا مصريًا قديمًا إلا وجدت المرأة بجانب الرجل، ورأيتها رافعة الرأس تسير إلى جانب الرجل وتعمل معه، وتجد ملكات عظيمات ودائمًا كانت المرأة المصرية في موضع تكريم واعتزاز.

كما قامت الحضارة المصرية القديمة على الأسس الثلاثة للحضارة، وهي العلم والعمل والفن؛ والعلم في الحضارة المصرية واضح في علوم التحنيط والأهرامات والعمارة الشاهقة والمعابد الخالدة، وتعامد الشمس في أبوسمبل في عيد ميلاد الملك، وتقدم الطب المصري القديم والفن والعمل واضح في العمارة والحضارة المصرية القديمة، وهي تراكمية كغيرها من الحضارات.

ولكن يبقى للحضارة المصرية السبق والبداية في عصور ما قبل التاريخ، ثم طورت ودعمت حضاراتها بعد ذلك من الحضارات الجديدة فأخذت عن الليبيين والنوبيين والعبرانيين، كما استفادت من التيارات المقبلة فأخذت العجلات الحربية من الهكسوس، وبعد ذلك استفدنا من حضارة اليونان والرومان وصقلية.

ولذلك يمكن القول إن حضارتنا سبقت حضارة الشرق والغرب، وبعد ذلك هناك حقيقة مهمة؛ وهي أن الحضارة بوجه عام هي حضارة إنسانية؛ لأنها نتاج جهود البشر جميعًا، وكل حضارة استفادت من الحضارات السابقة وأضافت الجديد، وبالتالي فالحضارة تراكمية؛ ولذلك يمكن وصف الحضارة المصرية بأنها أشبهه بالشجرة المباركة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة النور في قوله أنها لا شرقية ولا غربية؛ وبالتالي فالحضارة المصرية تنتمي للبشرية جمعاء، وبالتالي تتضمن خلاصة تجارب الشرق والغرب وأيضًا حضارة الغرب الحديثة هي نتاج وخليط لكل ما سبق من حضارات بما فيها الحضارة الشرقية؛ لأن الحضارة تراكمية للمعرفة الإنسانية بوجه عام.

وكل حضارة تأخذ من الماضي وتعطي للحاضر والمستقبل، كما أن لكل حضارة جوانب القوة والتميز وأيضًا جوانب الضعف، وبالتالي لكل حضارة أيضًا سماتها وشخصيتها، برغم التراكم الحضاري ولكل حضارة أبعادها المادية والروحية وأحيانًا يطغى جانب منهما على الآخر، ومن هنا تختلف الحضارات عن بعضها البعض.

ولذلك يرى البعض أن الحضارة الشرقية يزداد فيها البعد الروحاني عكس الغرب؛ حيث تزداد أهمية الجانب المادي، وأن كانت الحياة بوجه عام تتجه أكثر نحو المادية؛ وخاصة بعد الثورة الصناعية؛ حيث الاهتمام أكثر بالجوانب المادية.

ومن هنا دور مصر ورسالتها؛ سواء في الغرب أو الشرق، وللشرق أهميته الكبرى لمصر، وستنا هاجر المصرية زوجة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء عليهم جميعًا الصلاة والسلام هي أم إسماعيل الذي هو جد العدنانية وجد قريش، كما أن مارية القبطية زوجة الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وأم إبراهيم، فمن مصر أصهار سيدنا إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

ولذلك فصلة النسب بين مصر والعرب كانت قبل صلة العقيدة واللغة والحضارة، والقرآن الكريم لم يخص بلدًا بصفة الأمن والأمان سوى مصر، وكانت مصر واحة الأمن والأمان لستنا مريم العذراء وابنها المسيح "عليهما السلام".

كما كانت هناك هجرات عربية قديمة لسيناء وصحراء مصر الشرقية وزادت الروابط بعد الإسلام وأثناء الحكم العباسي ضمت الحجاز إلى مصر تحت إدارة محمد بن طغج الإخشيد، ومنذ ذلك الحين ارتبط مصير الحجاز بمصر، وأصبحت مصر مسئولة عن الحرمين الشريفين وأهلهما، واتسعت حدود مصر الشرقية لتضم الحجاز، واستمر ذلك خلال العصر العثماني.

ومن الثابت أن البيت العتيق الذي بناه سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل بن هاجر المصرية تم تجديد بنائه في عهد الرسول "صلى الله عليه وسلم"، ثم قامت مصر بعد ذلك في عهد الظاهر بيبرس بإعادة تجديده، وشارك بيبرس بنفسه في ذلك، ثم تصدع بنيانه أيام الأتراك، فقامت مصر مرة أخرى بإعادة البناء أيام محمد علي حتى التصميم الحديث وضعه مصري ورسم في القاهرة ونفذ في الحجاز بأيدي ومهندسين مصريين، ووصلت الحدود المصرية إلى بلاد البحرين واليمن في العصر الفاطمي، ولم تكن هذه التوسعات سياسية فقط؛ بل وحضارية؛ حيث إن نحو90% من مجموع الكتب العربية مطبوعة في مصر.

وفي عصر محمد علي وابنه إبراهيم استعادت مصر مركزها السياسي في الشام والسودان وبلاد العرب وجزء من العراق، ثم تعاظم الدور المصري في العصر الحديث مع ثورة ناصر 1952، واتسعت رسالة مصر لتقود حركات التحرير للأراضي والثروات في العالم الثالث.

واتسعت رسالة مصر الحضارية ووصلت إلى إندونيسيا والفلبين وأمريكا الجنوبية من خلال إرسال الأساتذة وأئمة المساجد والأطباء إلى هذه البلاد واستضافة الآلاف من أبناء هذه البلاد للدراسة في مصر؛ سواء في الكليات المدنية أو العسكرية أو مدينة البعوث الإسلامية والأزهر.

فقد كان صوت ثورة ناصر صوتا مدويا في آذان جميع العرب والمسلمين والعالم الثالث بوجه عام، وأزال غبار العهود السابقة وجدد الآمال وأنعش النفوس، وبثت روح العروبة في النفوس من جديد والأمل في كيان عربي واحد من المحيط للخليج يحمي مصالح الأمة والجميع، وهذا ما يخشاه الكثيرون الذين عملوا على مقاومة هذا الأمل وباعثيه.

ومن هنا كانت مؤامرة 67 لضرب الأمل في الوحدة، وتخطت مصر بجيشها العظيم خط بارليف عام 73 ويبقى الأمل في مصر أم الدنيا بحضاراتها ورسالتها لقيادة العرب إلى مستقبل أفضل إن شاء الله؛ لأن مصر خزانة الأرض كلها في القرآن الكريم والتوراة وسلطانها سلطان الأرض كلها، وهي بلاد الأمن والأمان، فمصر هي أم البلاد وغوث العباد حماها الله ورعاها فهي في رباط إلى يوم الدين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
حضارة مصر بين الشرق والغرب (5)

حضارة مصر بين الشرق والغرب (5)

كورونا فرصة للاستثمار (5)

قال الدكتور محمد عبدالعال، رئيس مجلس النواب الأسبوع الماضي إن مصر قادرة على تحويل أزمة كورونا إلى فرصة للاستثمار؛ من خلال توطين الصناعة وزيادة الاهتمام بالزراعة.

كورونا وهجرة العقول (4)

تصاعد أزمة كورونا كشفت ضعف المنظومة الصحية في معظم دول العالم، وأيضًا ضعف منظومة البحث العلمي والتعليم في كثير من الدول؛ ومنها دول كبرى وعظمى، وبالطبع

من يدفع ثمن كورونا؟ (3)

كورونا لها تكلفة باهظة وثمن غال على الصحة والاقتصاد، والله سبحانه وتعالى وزع الأعباء الصحية على جميع بلدان العالم بأسره بحكمته وعدالته بين الجميع، ولم

بدائل السجون في عصر الكورونا

الهدف الأساسى من السجن إصلاح وتهذيب السلوك السلبى للأفراد الخارجين على قواعد المجتمع؛ ولكن الدراسات أثبتت أن السجون عادة ما تفشل فى تحقيق هدف الإصلاح والتهذيب

كورونا ونظرية النفايات

هناك نظرية في العلوم الإنسانية تسمى نظرية النفايات أو القمامة وباختصار تقوم على عدة عناصر تشمل بداية أن ندرس الشيء وعكسه فلكي نفهم الغنى يجب دراسة الفقر؛

رسالة مصر وتاريخها والبحر الأبيض المتوسط (3)

رسالة مصر وتاريخها والبحر الأبيض المتوسط (3)

مصر أم الدنيا ورسالتها (2)

يعرض دكتور حسين مؤنس في كتابه أسباب انتشار جملة "مصر أم الدنيا" بتحليل تاريخي لهذه الحقيقة ولو عرف كل مصري قيمة هذه الأرض لما كفاه أن يعمل بيديه وعقله

مصر ورسالتها في فكر حسين مؤنس (1)

مصر ورسالتها في فكر حسين مؤنس (1)

ما بعد الحداثة والمعرفة البيئية وجمال حمدان (11)

عصر ما بعد الحداثة يتميز بثورة وثروة المعرفة؛ بمعنى تزايد كم المعارف بشكل كبير وسريع بما يمثل ثروة كبيرة في المعرفة بكافة صورها بوجه عام، وهذا في حد ذاته

ما بعد الحداثة والاقتصاد والبيئة (10)

ما بعد الحداثة ترفض عصر الحداثة ومشتملاته؛ خاصة النظم الاقتصادية التي أدت للمخاطر البيئية المختلفة التي نعانيها الآن، مثل: تغيرات المناخ، الدفء الحراري،

ما بعد الحداثة والدعم النقدي (9)

تمثل مشكلة الدعم وعدم وصوله لمستحقيه مشكلة حقيقية تخل بالعدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي والاستقرار المطلوب لنجاح التنمية، وهناك أسباب مهمة لعدم وصول