Close ad

ماذا تبقى من لبنان في ذكرى الحرب الأهلية؟

25-4-2020 | 15:57

فى 13 أبريل الحالى حلّت الذكرى الخامسة والأربعون لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عندما فتح مسلحون النار على حافلة كانت تقل عدداً من الفلسطينيين فقتلوا معظمهم، وكانت تلك هى الشرارة التى أطلقت حرباً لم تضع أوزارها إلا بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989 . بعد مرور كل هذه السنوات على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وفى ظل كل الرياح العاتية التى عصفت ولاتزال بالنموذج اللبنانى كما عرفناه منذ الاستقلال، فإن السؤال الذى يجب أن نسأله لأنفسنا هو: ماذا تبقى فعليًا من هذا النموذج؟ لقد كان وصف لبنان بسويسرا الشرق أحد أبرز الأوصاف التى ارتبطت به، وهو وصف كان يُشتق من عوامل كثيرة منها ما يتعلق بطبيعته الخلابة، ومنها ما يتعلق بحريته الاقتصادية، ومنها نظامه السياسى القائم على أساس التوافق بين مكوناته السكانية.

بطبيعة الحال يمكن أن يحاجج أحدنا بالقول إن أهم ما يميز سويسرا هو الحياد فى سياستها الخارجية، أما لبنان فإنه لم ينعم أبداً بالنأى عن النفس حيال أى من مشكلات المنطقة، فكل ما يدور فى لبنان هو انعكاس لتفاعلات الخارج حتى إنه دفع الكثير من استقراره السياسى نتيجة محاولات تطويعه لمصلحة هذه الدولة أو تلك، لكن على أى حال شاع وصف لبنان بسويسرا الشرق وساعد على شيوعه شطارة اللبنانيين فى التجارة والأعمال المصرفية والفندقة، وكان هذا الوصف هو أحد أسباب استهداف إسرائيل للبنان .

لو أخذنا الشق الاقتصادى فى النموذج اللبنانى لقلنا مبدئيا إن لبنان يعانى أزمة اقتصادية ممتدة ساهمت فى صنعها ضفيرة من العوامل الداخلية والخارجية أبرزها ما يلي: الفساد السياسى وهدر المال العام، والاعتماد على اقتصاد الخدمات الذى هو اقتصاد عوائده غير مأمونة لأن مفاتيحه فى الخارج، والوضع غير الطبيعى لحزب الله كحركة مقاومة تحولت لفاعل سياسى قوى ولها ارتباطها العضوى بإيران، وبالتالى فلقد تأثر لبنان بكل تعقيدات العلاقات الإيرانية - الأمريكية الإسرائيلية. ثم جاء اندلاع الحراك الشعبى فى أكتوبر الماضى وما رافقه من اضطرابات وإضرابات وأحداث شغب فتفاقمت المشكلة الاقتصادية أكثر، وأخيراً ظهر وباء كورونا ولنا أن نتخيل تأثير الإغلاق الاقتصادى على بلد يقوم اقتصاده فى الأساس على تقديم الخدمات.

وبالإضافة إلى انشغال العالم كله بمكافحة الوباء مما يجعل عقد مؤتمر سيدر الدولى لمساعدة لبنان أمرا ليست له أولوية، فإن ملابسات تشكيل حكومة حسان دياب التى يُطلَق عليها تجاوزاً حكومة حزب الله زادت فى إثارة الشك حول مآلات هذا المؤتمر، وأخيراً نأتى للدواء المر وهو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهو دواء تلجأ إليه الدول مضطرة فى حالة تأزم أوضاعها الاقتصادية فنجد أن التفاوض مع الصندوق خضع مثله مثل كل شيء فى لبنان إلى التوظيف السياسى مابين مؤيدين ومعارضين أو فى القليل حذرين، ويعد حزب الله من الفئة الحذرة التى تخشى من انعكاسات شروط الصندوق على تفجير الأوضاع الاجتماعية فهو حالياً يريد الاستقرار, فى تلك الأجواء تسربت بعض تفاصيل خطة إنقاذ الاقتصاد اللبنانى وهى الخطة التى تشتغل عليها حكومة حسان دياب، ومن هذه التفاصيل ما يتعلق بالاقتطاع من ودائع اللبنانيين.

فى البداية ما تسرب هو أن جميع الودائع سيطالها اقتطاع ما أُطلق عليه فى لبنان مصطلح haircut أى قص الشعر أو بالأحرى قص الودائع، والمنطق فى ذلك أن البلد كله فى ورطة اقتصادية وينبغى أن يتشارك الكل فى تحمل مسئولية الخروج منها. مثل هذا التسريب يعصف بأساس الاقتصاد اللبنانى كاقتصاد حر، وإذا علمنا أن عدد اللبنانيين الذين يعيشون فى المهجر يساوى عدد اللبنانيين الذين يعيشون داخل لبنان فإن هذا يوضّح لنا أهمية التحويلات الخارجية وكم الضرر الذى سيلحقه مثل هذا التسريب بالتحويلات المقبلة. قامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا التسريب الذى بدا مثل كرة اللهب يتقاذفها الجميع ولايريد أحد ان يحملها، أعلن رئيس الحكومة فى خطاب له قبل أيام أن الخطة التى تداولتها وسائل الإعلام هى مجرد مسودة معروضة للنقاش، ونفى وزير المالية أن يكون له أى دور فى تقديم مثل هذا الاقتراح.

ثم فى مرحلة تالية تمت غربلة قائمة المودعين وتصنيفهم إلى صغار ومتوسطين من جهة وكبار من جهة أخري، وبينما قيل إن الفئة الأولى لن تُمس ودائعها فإن الفئة الثانية هى التى سوف يطالها الـ haircut وذكر رئيس الحكومة فى خطابه المشار إليه أن ودائع 98% من اللبنانيين لن تُمس، وفتح هذا بورصة التكهنات حول نسبة الـ2% التى سيطال الاقتطاع ودائعها، وفى مجتمع طائفى كالمجتمع اللبنانى فإن هذا الاقتطاع لن يكون سهلا لأنه سيكون عليه مراعاة الحساسيات والتوازنات الطائفية الهشة، ثم إنه فى ظل ارتباط النفوذ الاقتصادى بالنفوذ السياسى فسوف يدافع كبار السياسيين عن ودائعهم فى البنوك ..

العلاقة بين الدولة والمصارف فى لبنان هى الآن فى صلب الصراع السياسى الداخلي، وقد شهدنا جانباً من هذا الصراع بمناسبة التعيينات فى القطاع المصرفى التى جرت مؤخرا حيث روّج خصوم حزب الله أن الحزب يحاول التحكم فى عصب الاقتصاد اللبنانى كما تحكم فى عصبه السياسي، بينما اتهم حزب الله الولايات المتحدة بالتدخل فى تلك التعيينات لوضع رجالها فى مواقع مالية حساسة. من جهة أخرى فإنه مع امتناع الدولة عن تسديد قروضها للبنوك بسبب أزمتها الاقتصادية تستقوى البنوك على المودعين، وآخر مظاهر الاستقواء قرار المصرف المركزى فى 21 أبريل الحالى بأن تتم أى سحوبات للمواطنين من مستحقاتهم الدولارية فى المصارف بالليرة اللبنانية مع إضافة جملة اعتراضية لطيفة هى شرط موافقة العميل المعني!، ووجه اللطف هو أن العميل الذى سيرفض تحويل مستحقاته من دولار إلى ليرة سيرد عليه البنك بأنه لا توجد لديه عملة أجنبية!

أخيراً هناك اتجاه لدمج المصارف الصغيرة فى أخرى كبيرة لمحاولة ضبط فوضى الساحة المصرفية وهذا أيضا ليس بالإجراء السهل عموماً وفى الظروف الصعبة الحالية خصوصا, فى ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية فإن الشق الاقتصادى للنموذج اللبنانى كما عرفناه آخذ فى التآكل، فماذا عن الشق السياسى لهذا النموذج؟ هذا موضوع مقال السبت المقبل إن شاء الله.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مراجعات سياسية شيعية

من القضايا المهمة التي لا تلقى اهتمامًا عربيًا كافيًا بها تلك المراجعات السياسية التي تتم داخل الطائفة الشيعية في العراق، وهي مراجعات تعود بداياتها إلى

حول دعوات تغيير النظام في تونس

عقب موجة التغيير التي شهدتها الدول العربية اعتبارا من عام ٢٠١٠، كان أحد أهم الأسئلة المثارة هو السؤال التالى: أى نظامّى الحكم يُعّد الأفضل، النظام الرئاسي

الأزمة التونسية 

قبل أكثر من عام وتحديدًا في شهر أكتوبر ٢٠١٩ نشرتُ دراسة على موقع العين الإخبارية عنوانها «تونس وثلاثية: قرطاج، القصبة، مونبليزير»، تحدثتُ فيها عن الصراع

الأكثر قراءة