قال الدكتور محمد عبدالعال، رئيس مجلس النواب الأسبوع الماضي إن مصر قادرة على تحويل أزمة كورونا إلى فرصة للاستثمار؛ من خلال توطين الصناعة وزيادة الاهتمام بالزراعة.
وهذه نظرة واقعية؛ لأن استمرار الأزمة لفترات طويلة يعني صعوبة الاستيراد؛ مما يستدعي ضرورة الاعتماد على الذات في كل الضروريات، وقديمًا قالوا من يأكل من فأسه يكون قراره من رأسه، والمشكلة قد تكون أكبر؛ حيث قد لا تجد بعض الدول فرصة للاستيراد، وهذا يقودنا للاهتمام بالبحث العلمي؛ حيث ليست هناك نهضة في الزراعة أو الصناعة دون الاهتمام بالبحث العلمي.
ونضيف أن هناك فرصًا أكبر للاستثمار في الإنسان المصري، فهو أغلى ما تملك مصر، وهو المصدر الرئيسي للدخل القومي؛ حيث يحول المصريون سنويًا نحو 28 مليار دولار، ولذلك فمشكلة كورونا فرصة للاستثمار في التعليم والصحة والبحث العلمي؛ حيث تشير نتائج دراسة للبنك الدولي إلى أن عائد كل دولار ينفق على التعليم يكون عائده 17 دولارًا، وأعتقد أن هذا الرقم سيتضاعف إلى 30 ضعفًا أو أكثر بعد محنة كورونا وموقع وتاريخ مصر؛ حيث سوف يزداد الطلب على العاملين في المجال الصحي والتعليمي والبحث العلمي بوجه عام، وإذا كان لمصر نحو عشرة ملايين مصري يعملون بالخارج فيمكن مضاعفة هذا الرقم، ومن ثم تحويلات المصريين بالخارج، ويؤكد هذا المعنى د. محمد لطفي نائب رئيس جامعة كارديف بانجلترا، وهو من كبار خبراء التعليم على مستوى العالم، فيقول إن التعليم اليوم صناعة واستثمار، ومستقبل نهضة مصر يجب أن يعتمد على التعليم في المقام الأول من خلال إقامة نظام تعليمي حديث يمكن تصديره لمن حولنا وهم في حاجة لذلك، ومن هنا فالتعليم صناعة واستثمار، وهذا يشمل كل التخصصات من أزهري إلى طبيب أو مهندس وخلافه وفي كافة المراحل التعليمية.
ويقول غاندي يجب أن ننفق على التعليم كثيرًا لأننا فقراء، فالتعليم هو الوسيلة الأساسية للقضاء على الفقر والمرض والإرهاب، ولذلك نؤيد ونبارك حديث رئيس مجلس الشعب بأن كورونا فرصة للاستثمار بالنسبة لمصر من خلال دعم أكبر للتعليم والبحث العلمي وإلزام الحكومة بتخصيص 4% كحد أدنى للإنفاق على التعليم؛ حسب المادة 19 من الدستور و2% للتعليم الجامعي كحد أدنى يتصاعد بعد ذلك، وتمتد المشكلة للإنفاق على البحث العلمي ونسبته في مصر أقل من 1% مقابل 4% في إسرائيل مع تدني الرواتب والأجور لجميع العاملين في هذه المجالات من صحة إلى تعليم إلى البحث العلمي.
وهنا تصبح القضية أمنًا قوميًا، فلن يكون هناك مجال في المستقبل القريب لمن يتخلف علميًا، ومن ثم علينا سرعة المواجهة والإصلاح من خلال الدعوة لمؤتمر قومي لمناقشة تحديات التعليم والبحث العلمي في مصر، وأتصور أن هناك عدة محاور أساسية يجب فتح باب الحوار بين المتخصصين بشأنها وتشمل الآتي:
إعادة نظر شاملة في نظام الأجور على مستوى الدولة لسد الثغرات والفجوات غير المبررة، ورفع مرتبات القطاعات الصحية والتعليمية وخدمات النظافة؛ لأنهم أكثر أهمية من القطاعات التي تربح ماديًا لأنهم يبنون الإنسان وصحته، ويمكن الرجوع لتجارب الدول الأخرى ونظام الأجور، كما يجب أن يكون هناك قانون لجميع شهداء الوطن في مجالات الأمن والصحة والنظافة، ونظام عادل وبدلات مناسبة للمخاطر؛ سواء في مجال الأمن أو الصحة أو النظافة وتوفير الحماية الصحية والقانونية لهذه الفئات.
وإعادة نظر شاملة في نظام وأعداد القبول في الجامعات والتركيز على احتياجات السوق المصرية والعربية، وأتصور أننا في حاجة للتوسع في كليات الطب والصيدلة والتمريض والهندسة بشكل مبدئي.
وللإسراع في ذلك يجب دراسة أن يكون العام ثلاثة فصول دراسية؛ من خلال إضافة فصل صيفي مركز على الأقل في هذه التخصصات، وهناك إشكالية خاصة بتكلفة الدراسات العليا وتكلفة المراجع والدراسات الميدانية والمصروفات الإدارية وغيرها، وبالطبع تختلف التكلفة من تخصص لآخر وحسب نوعية الدراسة، ولكنها بوجه عام تتكلف ما لا يقل عن نحو خمسة عشر ألفًا في المتوسط، وتزداد في أحيان كثيرة وهو مبلغ غير متاح للكثيرين، ولذلك يحجم الكثيرون عن استكمال دراساتهم العليا.
ولذا أقترح النظر في إنشاء بنك للطلبة، أو يتولى ذلك بنك ناصر الاجتماعي لتوفير قروض للدراسة على أن تسدد على المدى الطويل دون فوائد، والدعوة لمساهمة رجال الأعمال والفنانين والقادرين بوجه عام في التبرع لهذا البنك، وفي النهاية الدعوة لتكتل علمي عربي في مجال البحث العلمي حتى لو بين بعض الأقطار العربية والله الموفق.