تباينت آراء العلماء في الفرق بين كلمتي (النبي) و (الرسول)، من قبيل محاولة الوصف الدقيق لمهمة كل منهما، والفارق بينهما ضيق جدًا، وينحصر بين عموم وخصوص، ومنهم من وصف (بالنبي)، ومنهم من وصف (بالرسول)، ومنهم من جمع بينهما، وكل من (النبي) و(الرسول) يوحى إليه بشرع وله دور ديني واجتماعي في قومه وأمته.
هل هناك فرق بين (النبي) و(الرسول)؟
انقسم رأي العلماء في الإجابة على هذا السؤال إلى فريقين، الأول: يرى أن هناك فرقًا بين النبي والرسول، والثاني: رأى أنه لا يوجد فرق بينهما.
ويوضح الدكتور محمود عبده نورالدين، رئيس قسم التاريخ الإسلامي، بكلية اللغة العربية، بجامعة الأزهر، فرع أسيوط، في حلقات خاصة لـ(لبوابة الأهرام)، أن الفريق الأول من العلماء، أكد أن الرسول، هو من أرسله الله بشرع وأمره بتبليغه، وأن النبي، من أرسله الله بشرع ولم يؤمر بتبليغه، ومن هذا الفريق أيضاً من يرى أن الرسول إنما هو من بعثه الله بشرع جديد يدعو إليه الناس، أما النبي فهو من بعثه الله لتقرير شرع سابق، كأنبياء بنى إسرائيل، كموسى وعيسى (عليهما السلام).
ورأي ثالث من هذا الفريق الأول، يذهب إلى أن الرسول من أوحى إليه بشرع وأنزل عليه كتاب، كإبراهيم وموسى وداوود وعيسى ومحمد (عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام)، والنبي الذى ليس برسول، هو من أوحى إليه بشرع ولم ينزل عليه كتاب، كإسماعيل وشعيب ويونس ولوط وزكريا.، والإمام الطحاوي، وابن حزم، وابن تيمية، والألوسي، والشيخ الشعراوي، وغيرهم. وهكذا يقرر هذا الفريق أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسول.
هل لفط (الرسول) أخص من لفظ (النبي) وأيهما أسبق؟
يوضح د. نور، أن الإمام الطحاوي يذهب إلى أن الرسول أخص من النبي، وأن الرسالة أعم من جهة نفسها، فالنبوة جزء من الرسالة، لأن الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس فالرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها.
ويذكر بعض المفسرين: أن الرسول هو من أوحى إليه بشرع، يعمل به ويؤمر بتبليغه، والنبي من أوحى إليه بشرع يعمل به ولم يؤمر بتبليغه، فكل رسول لابد أن يكون نبياً، وليس كل نبي لابد أن يكون رسولاً، لأن النبي يعيش على منهج الرسول الذى عاصره أو سبقه، ثم يعطيه الله أشياء تعتبر خصوصية له، واستنباطًا من هذا الرأي يصبح النبي أسبق من الرسول.
ومن هذا الفريق القاضي عياض
وماهو الدليل على ذلك؟
يقول الدكتور عبده نور، إن أدلة هذا الفريق: تتركز في مجيء ذكر النبي والرسول معًا في القرآن الكريم أحياناً بالجمع، وأحيانا بالعطف، واختلاف الاسم يدل على اختلاف المعنى، والعطف يقتضى المغايرة مثل قوله ــ تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ)، وقوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ) وكذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (من أن عدد الأنبياء يختلف عن عدد الرسل).
ما هو رأي الفريق الثاني من العلماء في التفرقة بين (النبي)، و(الرسول)؟
يوضح، الدكتور عبده نور، أن رأي الفريق الثاني، يختلف تماما عن الفريق الأول من العلماء، فهذا الفريق من العلماء، لا يفرق بين النبي والرسول، وأن كل نبي رسول، وكل رسول نبي، ويستدل هذا الفريق بقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، حيث تعلق الإرسال بالنبي، كما تعلق بالرسول، وحيث تعلق به الإرسال صار مأموراً بالتبليغ ، كما أن العقل لا يستسيغ أن يوحي الله ــ تعالى ــ إلى النبي بشرع ثم لا يأمره مرة بتبليغه، لأن الشرع أمانة وعلم، وأداء الأمانة واجب، وكتمان العلم نقص ورذيلة.
هل جاء الرسول بكتاب؟ والنبي ليس لديه كتاب؟
يقول د. عبده نور، إن ما ذكر من كون الرسول نزل معه كتاب، والنبي لم ينزل معه كتاب، فقد رأى هذا الفريق، أن هناك من الأنبياء من وصفوا بالرسالة ولم تنزل عليهم كتب، مثل إسماعيل، عليه السلام، كما في قوله ــ تعالى: (واذكر فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْد ِوَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ)، وكذلك نوح، كما في قوله ــ تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، ويونس كما في قوله ــ تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ)، وقد استدل بعض من ذهب إلى هذا الرأي من العلماء إلى عدد من الآيات التي تسمى المبعوثين إلى الأمم السابقة جميعاً رسلاً إلى.... بمعنى (الإرسال) .... وإلى حلقة أخرى بإذن الله.
الدكتور محمود عبده نورالدين، رئيس قسم التاريخ الإسلامي، بكلية اللغة العربية، بجامعة الأزهر